عندما تشعر الروح بالاحتياج إلى بارئها..
لا توجد قوة في الكون توقفها عن البحث للوصول إليه..
قد يضطهدها بعض الجبابرة..
قد تضطرها الأيام للكتمان.. إلا أنها ستبوح يومًا بالأسرار.. لا محالة ستبوح..
إن فراغ الروح يقتلها.. فلا تطمئن إلا إذا عادت إلى الحياة بالإيمان..
وبرغم هزيمة الجبابرة على مرّ التاريخ أمام الأرواح الطاهرة.. فإنهم مستمرون في الجبروت..
بطل قصتنا المنتصر على المتجبرين.. ولد في مدينة روما وعلى مرمى حجر من بابا الفاتيكان، ولأبوين كاثوليكيين شديدي التعصب لمذهبهما كان انتماؤه.. نفوره الفطري من الطقوس الكنسية الوثنية التي تقوم على الاعتقاد في الصور والتماثيل تركت في نفسه فراغًا روحيًّا حادًّا جعله شديد التعطش لعقيدة تملأ هذا الفراغ. إنه أندريه روماني بطل هذه القصة الذي هداه الله تعالى إلى اتباع الحنيفية السمحة فألحق به أهله الأذى والاضطهاد حتى هجر موطنه كما كان الحال مع المسلمين الأوائل.
ندعوكم الآن إلى التعرّف إلى الرحلة الباهرة التي قطعها أندريه من الضلال إلى الهدى.
ولد أندريه روماني في مدينة روما معقل الفاتيكان لأبوين كاثوليكيين شديدي التعصب لمذهبهما الكاثوليكي.. أجبرته أسرته في طفولته وصباه على الالتزام التام بالواجبات والطقوس الكاثوليكية، كما فرضت عليه التردّد على الكنيسة كل يوم أحد، بل حتّمت عليه الركوع على ركبتيه أمام تماثيل وثنية نفرت منها فطرته السليمة، وأمام قساوسة حرّفوا المسيحية لينفعوه ويمنحوه بركاتهم وهو الذي لم يشعر يومًا بنفعهم وبركاتهم.
في حديثه عن كيفية اعتناقه الإسلام يقول الدكتور أندريه روماني: كنت أشعر دائمًا بنفور وكراهية شديدين لبعض الطقوس القائمة أساسًا على الاعتقاد في الصور والتماثيل وهي طقوس تركت في نفسي فراغًا روحيًّا شديد الحدّة، كما جعلتني أشعر دائمًا بعدم الرضا، بيد أنني كنت غير قادر على أن أجهر أو أبوح لأحد بما يمور ويعتمل داخل صدري، فقد كنت طالبًا في حاجة إلى دعم أهلي لي حتى أتمكّن من إكمال تعليمي، فضلًا عن ذلك فقد كنت أعلم علم اليقين أنني سوف أتعرّض للأذى المريع من قبل القساوسة والرهبان ومتعصّبي الكاثوليك لو تفوّهت بما يعتمل في عقلي من رفض للنصرانية.
ولكي أهرب من الفراغ الروحي الذي كنت أعانيه مُرّ المعاناة، انكببت على دراساتي بشدّة فحصلت على درجتين للدكتوراه الأولى في الطب والثانية في علم النفس.. عقب ذلك بدأت أسعى إلى القراءة الناقدة الفاحصة لمختلف الكتب التي تتناول عقيدة التثليث، وكنت أسعى من وراء ذلك إلى البحث عن الحقيقة بين صفحات الكتب، ومن أوائل الكتب التي قرأتها ما كتبه "توما الإكويني" عن عقيدة التثليث على المذهب الكاثوليكي.. ما أصابني بالدهشة أن المتناقضات التي حوتها الكتابات التي قرأتها دفعتني دفعًا إلى الإيمان بوحدانية الله تعالى، ونبذ عقيدة التثليث التي يأباها العقل والمنطق السليمان.
عقب ذلك بدأت خطواتي الأولى نحو الدين الإسلامي الذي أقرّ الوحدانية، فنزّه خالق الكون عن الشريك.. ساعدتني في ذلك كثيرًا قراءاتي لما كتبه بعض المفكرين الأوروبيين الذين أنكروا فكرة التثليث، وهاجموا مذهب الصور والتماثيل الذي يعلي الوثنية تحت راية النصرانية، ومن بين أولئك المفكرين "سوشينوداسينيا" و"سيرفيتو" و"بيتشي ديلا ميراندولا" وغيرهم.
القراءات السابق ذكرها أعادت إلى ذاكرة أندريه روماني تلك الدروس التي كان يتابعها في الجامعة للمفكر "الدوبراندينو" أستاذ الشريعة والتاريخ الإسلامي، وهي دروس متعمّقة تعرّف عبرها إلى الكثير من مقوّمات شريعة الإسلام.
وبعد ذلك بدأ أندريه ينهل بنهم من معين الكتب التي تعينه على الاستزادة في معرفة الإسلام، فانبهر بما فيه من بساطة تفوق الوصف ووضوح عقيدة لا يكتنفها أقل قدر من الغموض، ما جعله يصل إلى قناعة تامّة مفادها أن الإسلام هو الدين الحق وأن ما عليه قومه هو الباطل والضلال فبادر إلى إشهار إسلامه، فكان ردّ فعل أقاربه والكنيسة على ذلك شديدًا وعنيفًا.
لقد تعرّض أندريه عقب إشهاره لإسلامه لأصناف شتى من التعذيب والاضطهاد والتنكيل، تمامًا كما تعرّض لذلك المسلمون الأوائل، ما اضطرهم إلى الهجرة إلى أرض الحبشة حتى أعز الله دينه ونصر نبيه.. فقد اضطر روماني أيضًا إلى أن يترك بلدته بعد أن أذاقه أهلها الويل والثبور وعاش في الصومال حيث تزوج واستقر في ربوعها.. وهكذا يعيد التاريخ نفسه.
هذا ما دفع أندريه روماني للمقارنة بين سماحة المسلمين حين يكتب لهم النصر والتمكين، وما سجّله التاريخ من وحشية النصارى في الحروب الصليبية وخلال فترات الاستعمار الذي حلّ بكثير من بلاد المسلمين حقبة من الزمن.
ويضيف أندريه: في أوروبا يتحدث الناس عمّا يسمونه التعصب الإسلامي، وينسون أن يقولوا إن النصارى قد استطاعوا الحياة بين المسلمين في بلادهم، في حين لم يقدر المسلمون قط على أن ينالوا حظًّا من ذلك في بلاد النصارى، ولنفكر فقط فيما حدث للمسلمين في إسبانيا وصقلية ولنصمت عمّا بقي كله..
نعم إنه دين التسامح..
تعايشت في كنفه وتحت سلطانه الأديان كلها.. في أمان وسلام..
لمَ لا وهو لا يُكره غير المسلمين على الإسلام؟!!
لا يُكره أحدًا لأنهم يدخلونه عن حب..
لقد غزا القلوب والأرواح قبل البلاد والممالك..
التاريخ المنصف يشهد بذلك..
الأرقام والإحصاءات تؤكد ذلك..
اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.
-------------------------------------
المصادر:
الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.
عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.
عثمان، محمد عثمان (2004)؛ لمَ أسلم هؤلاء الأجانب؟ (ثلاثة أجزاء)؛ سوريا: حلب: دار الرضوان.
فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.