عدد الزيارات: 7.0K

المتدربة المغربية


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-07-1438

البحث عن الله.. قصة عاشها ويعيشها وسيعيشها الإنسان..

بعضهم يصل إلى الله سريعًا.. فصول قصته قصيرة..

وبعضهم قد لا يصل إلا في نهاية الرحلة.. فصول قصته طويلة..

ديانات.. وعقائد.. يمر بها بعضهم متخبطًا متألمًا.. الاحتياج إلى ربه يلهب قلبه..

لذا فإن الشعور بالسكينة والهدى بعد كل هذه العثرات.. شعور لا يوصف..

نعم.. فالتشويش على الباحثين عن الحقيقة يرهقهم ويخفي عنهم معالم الطريق..

إلا أن الله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

فمن أراد الله هدايته.. لن يستطيع الخلق أجمعون أن يضلّوه..

بطل قصتنا ثابر.. بحث بدأب.. استغرق رحلة طويلة.. لكنه وصل..

ولد لأبوين ملحدين، وجدٍّ شديد التمسك بالكاثوليكية.. ولإرضاء جدّه ولتزويده بثقافة دينية أرسله والداه في طفولته إلى التعليم المسيحي.. وفي فترة مراهقته أصبح ملحدًا كوالديه؛ فقد كره الكاثوليكية، لأن سلوك أتباعها لم يكن يعجبه، بينما كانت لديه أحكام سلبية مسبقة عن الإسلام.. محادثة مع متدربة مغربية جعلته ينظر إلى الإسلام من منظور مختلف.. قرأ المزيد عن الإسلام من الإنترنت فأصيب بالذهول ثم انجذب كلية نحو الإسلام عند قراءته لموضوعات تتحدث عن إعجاز القرآن وأخرى تتحدث عن قصص من اعتنقوا الإسلام.. إنه آدم شعبان من فرنسا بطل هذه القصة.

الخطوة الأولى نحو التحول الجذري لبطل قصتنا تتمثل في قناعة وصل لها مفادها أن هذا الكون لا يمكن أن يكون قد خلق سدى وبلا هدف.. وهي قناعة كانت تزداد تعزيزًا كل ما اطلع على الفيزياء وعلم الفلك.. قرر أن يتبع مذهب اللاأدرية، وبعد ذلك أصبح لا يتبع دينًا معينًا وقد علم فيما بعد أن ذلك يعرف بالمذهب التأليهي، أي أن يؤمن المرء بإله واحد خالق للكون.. استبعد الكاثوليكية لأن سلوك أتباعها كان يغيظه كما قال، خاصة التباين الشديد بين أقوال أنصارها وأفعالهم، وابتعد عن البوذية لأنه لم يكن يعرف عنها شيئًا، باستثناء عدم إيمانه بما فيها من تقمص، أما الإسلام فقد كانت لديه أحكام سلبية مسبقة عنه، وهي الأحكام ذاتها التي يحملها أغلب الفرنسيين عن الإسلام نتيجة للكتابات المغرضة التي يكتبها أعداؤه عنه.

الخطوة الثانية نحو التحول تتمثل في مقابلة شعبان لمتدربة مغربية في مدينة "رين" الفرنسية، كانت المتدربة المغربية تقوم بتدريب هندسي في نفس مخبره.. ونسبة لمقابلات كثيرة جمعته بها تحدث معها عن موضوعات شتى.. وفي ذات يوم تطرق الاثنان للحديث عن الدين.. أثرت المتدربة في بطل قصتنا تأثيرًا كبيرًا إذ لم تمر سوى بضعة أيام حتى أزالت من ذهنه كل الأحكام السلبية المسبقة التي كان يحملها حول الإسلام.

حديث المتدربة المغربية مع شعبان جعله يكتشف عالمًا آخر ويتعرف إلى فلسفة أخرى للحياة.. لكن ما لبثت أن عادت المتدربة إلى المغرب، حتى توقف تفكير شعبان في الموضوع لفترة من الزمن.. ثم جاءت الخطوة الثالثة نحو التحول.. ففي يوم ما صادف بطل قصتنا صفحات في الإنترنت تتحدث عن الإسلام.. اعتراه الانبهار من روعة ما قرأ عن الإسلام، وأصابه الذهول من شدة اختلافه عن الأحكام السلبية المسبقة التي غذاها به بنو جلدته عنه.. شعر برغبة قوية في أن يتعمق أكثر في معرفته للإسلام، فارتاد جميع المواقع والموضوعات التي تتحدث عن الإسلام في الإنترنت.. وفي ذات يوم، صادف صفحة تتحدث عن معجزات القرآن.. هذا الكتاب الكريم الذي حُفظ كما هو منذ أربعة عشر قرناً بنفس النصوص وبنفس الضبط الذي نزل في ذلك الزمن.. وهنا استوقفت شعبان الدراسات المقارنة التي قام بها موريس بوكاي حيث حاول أن يقارن الكتب المقدسة (بدءًا بالعهدين القديم والجديد) بالمعارف العلمية الحديثة.. لاحظ بوكاي وجود الكثير من التفكك في الكتاب المقدس لأنه تعرض لتعديلات كثيرة على مر القرون.. بعد ذلك حاول الأمر نفسه مع القرآن.. ولأن أي ترجمة للقرآن لا يمكنها أن تتمتع بالدقة اللازمة تعلم "بوكاي" العربية، وشرع في دراسة القرآن بذات اللغة التي نزل بها.. وإلى جانب حفظه من أي تحريف أو تبديل، اكتشف بوكاي وجود أمور كثيرة من المستحيل معرفتها في زمن النبي مُحمَّد –صلى الله عليه وسلّم-، منها على سبيل المثال الوصف المفصل لتطور الجنين في بطن أمه.. إلى جانب أمور أخرى مثل ظاهرة الحاجز المائي الذي يفصل بين مياه البحار المختلفة عند نقاط التقائها أو يفصل بين مياه البحار والأنهار عند المصبات بحيث لا تختلط مع بعضها بعضًا، وهي ظاهرة قادت إلى إسلام عالم البحار الفرنسي جاك كوستو عندما علم أن القرآن الكريم تحدث عنها في أكثر من موضع.

واصل بطل قصتنا استكشافه للإسلام.. وفي البدء لم يكن يفكر في اعتناق الإسلام على الرغم من انبهاره به إذ كانت لديه بعض التحفظات، لكن جاءت نقطة التحول الأخيرة التي تمثل نقطة فارقة في حياته عندما وقعت عينه على قصص أولئك الذين اعتنقوا الإسلام والتي تبين دواعي اعتناقهم لهذا الدين العظيم. فجأة وفي طرفة عين وانتباهتها، انهارت أمام شعبان كل الحواجز فشرح الله صدره للإسلام ونطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمَّدًا رسول الله)..

ما أعظم الإسلام.. الدين الكامل الذي يجذب إليه كل ذي فطرة سليمة وإن غطت فطرته بصورة مؤقتة أدران المادة وحملات التشويش..

تنتصر الفطرة السليمة في النهاية..

يصل المجتهدون في البحث.. إلى الله.. يكافئهم.. يجازيهم..

يسوق لهم الدلائل.. يضع في طريقهم الإشارات..

يصحبهم في الرحلة إليه.. سبحانه الرؤوف الرحيم..

لذا.. فلتسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

----------------------------------------------

المصادر:

اللولو، هالة صلاح الدين (2005)؛ كيف أسلمت؟؛ دمشق: دار الفكر.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.