عدد الزيارات: 1.7K

المبدع العظيم


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 07-05-1440

جسم الإنسان هو أحد الطرق المؤدية إلى الإيمان!!

علم الطب عامة.. والتشريح خاصة.. يقدّمان للإنسان أهم دلائل صدق القرآن!!

كيف لا وهو يعرض ما في كل عضو من أعضاء الجسد من آيات الخالق العظيم!!

فالتدبّر في آيات الله الكونية المنظورة عامة يجعل المرء أيًّا كانت ديانته يوقن بوجود إله مبدع خالق لهذا الكون..

هذا التدبر كان سببًا في إسلام الكثيرين ومن بينهم الطبيبة الهندية "أوشا" بطلة هذه القصة.

منذ طفولتها ظلت أوشا تشك في صحة العقيدة الهندوكية، وهي ديانة الهند الرئيسية، وبمعيار عدد من يتبعونها، تـُعَدّ ثالث أكبر ديانة في العالم، وتنادي هذه الديانة بتعدد الآلهة، كما تقر باستحالة التواصل المباشر مع الإله دونما وسيط هو رجل الدين.. فهي ترى أن هذه الوساطة تناقض الطبيعة الإنسانية، كما تجافي العقل والمنطق.

عقب إكمالها لدراستها الابتدائية التحقت أوشا بمدرسة "براتيمك" الثانوية في بومباي بالهند وانتقلت معها شكوكها في صحة عقيدتها المفروضة عليها من بني جلدتها.. وبدأت هذه الشكوك تزداد في نفس أوشا عقب دخولها كلية الطب في بومباي ودراستها لمادة "التشريح".. أظهرت أمامها هذه الأخيرة حقائق باهرة لم تكن تعلم عنها شيئًا من قبل.. وعن ذلك تقول: "من خلال دراستي لحالات المرض عرفت أن الأمراض التي تصيب الإنسان سببها ميكروبات وفيروسات دقيقة تعادلها مخلوقات في جسم الإنسان تقاومها وتتغلب عليها أحيانًا، وتفشل في ذلك أحيانًا أخرى.. هذه المعركة التي تحدث في جسد الإنسان تلقائيًّا ودون ترتيب، كنت أقف أمامها وأسأل نفسي: لا بدّ من أن هناك سببًا خفيًّا وراء ذلك"!

وجدت أوشا نفسها محاطة بغابة من علامات الاستفهام والأسئلة المحيّرة التي من بينها سؤالها عن كيفية خلق هذه الأنسجة الدقيقة التي يتكون منها جسم الإنسان.. وعن هذا المبدع العظيم الذي خلقها بهذه الكيفية المدهشة في نظامها الدقيق وفي وظائفها الباهرة وإلى غير ذلك من الأسئلة التي لم تجد لها إجابات شافية.. وعلى الرغم من دراستها لمبررات هذه العملية التي تتم داخل جسد الإنسان فإن شكًّا قويًّا كان يساور "أوشا" وكانت تتحدث إلى نفسها قائلة: "لا بدّ من أن هناك شيئًا ما وراء ذلك يخفى عليّ.. فتركيب جسد الإنسان وتنظيمه على هذه الصورة الدقيقة لا بدّ من أن يكون وراءه صانع مبدع".

مرّت على أوشا طالبة الطب فترة مرهقة من التفكير المضني والصراع النفسي الرهيب بين ما تدرسه في الكلية وما ورثته في العقيدة الهندوكية الوثنية التي لم تؤمن بها في يوم من الأيام.. مرّت على أوشا الأيام والشهور وهي على هذه الحالة حتى قدّر لها الله التعرف إلى زميلة لها بالكلية تختلف عن بقية الطالبات.. فهي تتميز بملابسها المحتشمة وتتفرد بعدم اختلاطها بالطلاب، فضلًا عن اقتصار صداقاتها على عدد محدود ومعيّن من الطالبات.. وجدت "أوشا" في صحبة تلك الزميلة -الهادئة الوقورة- ألفة محبّبة واطمئنانًا لم تشعر بهما من قبل وفي هذا تقول: "تعرفت إلى زميلة لي في الكلية يبدو عليها الهدوء والوقار، ووجدت في صحبتها ألفة لم أعهدها في غيرها من قبل، واطمأنت نفسي إليها.. وفي النهاية عرفت السبب في هذا كلّه... عندما قالت لي إنها مسلمة".

أخذت أوشا تسأل زميلتها المسلمة الكثير من الأسئلة المحيرة التي لم تجد لها من قبل إجابات.. أسئلة مثل: هل للكون أكثر من إله؟ ومن هو المبدع الذي خلق جسم الإنسان الذي تعرفنا عبر دراستنا إلى مدى تعقيده ودقة تصميمه؟

أخذت الطالبة المسلمة تعير أوشا بعض الكتب التي تتحدث عن الإسلام، وكانت أغلبها كتبًا علمية تتحدث عن جسم الإنسان، وعن الدورة الدموية، وعن التشريح.. انبهرت أوشا عندما علمت من زميلتها أن مؤلفي هذه الكتب –التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية- هم مسلمون ماتوا منذ مئات السنين.. وهنا تقول أوشا في إعجاب: 

"كنت كلما قرأت في هذه الكتب ازدادت دهشتي وتساءلت في نفسي: كيف عرف هؤلاء هذه الأسرار الدقيقة الموجودة في جسم الإنسان منذ مئات السنين.. كما قالت لي زميلتي المسلمة، وكما تأكدت بنفسي؟! مع أن المناهج التي ندرسها الآن قيل لنا إنها لم تعرف إلا في القرن الحالي!!

عقب إكمالها لدراسة الطب تزوجت أوشا من شاب هندوكي باركته لها أسرتها دون أن تكون موافقة على الزواج به.. عاشت معه حياة مملوءة بالخلافات خاصة عندما كان يأمرها بممارسة الطقوس الهندوكية التي لم تمارسها في حياتها ألبتة.. وبرغم زواجها ظلت أوشا تلتقي زميلتها المسلمة بعيدًا عن عيون زوجها الذي اشتهر بتعصّبه لمعتقداته الوثنية.. وعقب فترة ليست بالطويلة توفي زوجها فحمدت الله واستبشرت بوفاته خيرًا وشعرت بسعادة غامرة إذ توقعت الحصول على المزيد من الحرية.. بيد أن سعادتها لم تستمر طويلًا إذ صدمت بحقيقة -نسيتها للوهلة الأولى– مفادها أن العادات الهندوكية تحتّم على الأرملة أن تبقى في بيت أهل زوجها إلى الأبد.

ثم جاءها الخلاص على يد صديقتها المسلمة التي سبق لها أن خلّصتها من الهندوكية.. نصحتها الأخيرة بأن تهاجر إلى خارج الهند، وأخبرتها بأن ديار الإسلام تمثل أكثر ملاذ آمن لها، بل حددت لها "السعودية" على وجه الخصوص لأن مستشفياتها في حاجة إلى أمثالها من الأطباء.

وبالفعل حصلت أوشا على عقد عمل في السعودية.. وهناك تعرفت إلى عدد من الطبيبات المسلمات اللاتي عاملنها معاملة طيبة فازدادت حبًّا في الإسلام وأسلمت، وإن لم تشهر إسلامها رسميًّا.. وفي أحد الأيام لاحظت أوشا صديقاتها المسلمات وهن يحزمن حقائب السفر إلى خارج الرياض وأخبرنها أنهن ينوين زيارة كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.. ذهبت أوشا مع زميلاتها في تلك الزيارة على الرغم من أنها لم تكن آنذاك تعرف أهمية تلك الزيارة ولا الهدف منها.. تحدثت أوشا عن تلك الزيارة وقد اغرورقت عيناها بالدموع قالت: "في هذه الزيارة رأيت ما لم أره من قبل.. وسمعت ما لم أسمع عنه.. زرت المسجد النبوي الشريف، وقبر الرسول الكريم، كما زرت الكعبة المشرفة والبيت الحرام.. وهناك سمعت عن الإسلام كلامًا لم أسمعه من قبل بعد أن رأيت الإسلام والمسلمين على الطبيعة...".

عقب زيارتها للبقعة التي انطلق منها نور الإسلام وفي منتصف شهر رمضان، وتحديدًا عقب الإفطار توجهت أوشا إلى مسجد الريحان المجاور للمستشفى الذي تعمل فيه حيث أشهرت إسلامها وأطلقت على نفسها اسم "آمنة قريش" فانتابها آنذاك -كما تقول- إحساس من ولد من جديد. وما أن أشهرت إسلامها حتى أخذت تتعلم مبادئ الإسلام في المركز الإسلامي بمكة المكرمة إلى جانب تعلمها مبادئ تعاليم وآداب الثقافة الإسلامية.

في خاتمة هذه القصة نشير إلى أن آمنة أحبت من داخل أعماقها مكة المكرمة التي تزور فيها بيت الله الحرام أسبوعيًّا، وتشرب من ماء زمزم وتتمنى أن تعيش فيها مدى حياتها كما عشقت المدينة المنورة التي تتمنى أن تدفن فيها إلى جانب الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلّم-.. والمرء مع من أحب يوم القيامة..

فقد ولدت من جديد.. بمعنى الكلمة!!

كل ما سبق من حياتها غير محسوب.. مخصوم من عمرها..

لا قيمة له..

بلد جديد.. عمل جديد.. دين جديد.. قلب جديد.. حب جم لنبي جديد..

إذًا هو ميلاد جديد!!

أتريد أنت ميلادًا جديدًا لحياتك.. يهديك إلى طريق الله؟!

إذًا.. اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

----------------------------------

المصادر:

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.

قاطرجي، نهى؛ مقال بعنوان: "رواد وعلماء اختاروا الإسلام؛ استرجع بتاريخ 17 يوليو 2017، من موقع صيد الفوائد: https://saaid.net

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.