عدد الزيارات: 4.4K

السهل الممتنع


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 19-01-1438

يولد الإنسان وهو يحمل في جيناته "الإيمان بالله"..

الأطفال يخلقون وفي أذهانهم تساؤلات حول "من خلقنا؟"..

لديهم قبول طبيعي فطري للإيمان بخالقهم سبحانه وتعالى..

بطلة قصتنا.. لم يكن لقومها غاية في الدنيا سوى التمتع الميكافيلي بنعيمها الزائل.. كانت في ظاهرها تشبههم بروحها المسكونة بظلمة الضلال المدلهمة، وبسلوكها الغارق في أوحال المادة الآسنة.. بيد أن الله تعالى حباها بفطرة سوية كانت تخبئ وراء ضلالها الموروث قبسًا من النور، مدسوسًا بين جوانح قلبها الموعود بنعمة الهدى منذ أن كان طريًّا.

 إنها الكاتبة البريطانية المعروفة وشاعرة مدن الضباب ذائعة الصيت إيفلين كوبلد.

كتبت إيفلين العديد من الكتب منها على سبيل المثال: كتاب يحمل اسم "البحث عن الله"، حيث تقول وهي تسرد قصة إسلامها: من الصعوبة بمكان أن أحدد الوقت الذي أشرقت فيه حقيقة الإسلام أمام بصيرتي فاتخذته دينًا، وحالما أسلمت اجتاحني الشعور بأنني كنت مسلمة بالفطرة منذ نعومة أظفاري، لأن الإسلام هو دين الطبيعة الذي لا يملك المرء فكاكًا من اعتناقه لو ترك لنفسه بعيدًا عن المؤثرات الخارجية المفروضة عليه من بني جلدته.

ويصدق ذلك ما جاء في صحيح البخاري من قول النبي -صلى الله عليه وسلّم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ".

وتضيف الكاتبة إيفلين:

عندما دخلت المسجد النبوي الشريف لأول مرة في حياتي شعرت برعدة عظيمة تزلزل كياني.. خلعت نعلي في خنوع، ثم أديت صلاة الفجر في خشوع وينتابني إحساس من يعيش في حلم.

وهمست إيفلين بصوت خفيض يغمره السرور: "إلهي كم أنت رؤوف رحيم.. لقد أرسلت لنا رسولًا كريمًا.. نبيًّا أمينًا بعثت به إلى أمة منحتها شرفًا أن أصبحت به خير الأمم، وأجريت على يديه ألوان الخير جميعها لكل بني البشر!"

وكتبت إيفلين قائلة: "لم يخلقنا الله تعالى خاطئين -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا-، ولم نكن يومًا في حاجة إلى خلاص من المسيح -عليه السلام- لأنه لا حاجة لنا إلى وسيط يربطنا بالله عزّ وجلّ لأنه تعالى متاح لنا في كل زمان ومكان وبإمكاننا الإقبال عليه أيًّا كان حالنا".

ومن مقولاتها المؤثرة في صفحة 45 من كتابها "البحث عن الله": "لقد ورد في القرآن الكريم كيف خلق الله تعالى العالم بكل ما فيه من مخلوقات.. وخلق الكائنات الحية بكيفية جعلت لكل نوع منها زوجين اثنين، وأن العلم الحديث أيّد صحة هذه النظرية بعد بحوث مضنية ودراسات عديدة امتدت لأجيال وأجيال".

وفي صفحة 51 من كتابها "البحث عن الله" كتبت إيفلين قائلة في فخر واعتزاز: "إن أثر القرآن الكريم فيما بلغته الحضارة الإسلامية من تقدم مذهل لا ينكره إلا مكابر.. فالقرآن الكريم هو الذي دفع العرب بتعاليمه المحكمة الخالدة إلى فتح العالم، وهو الذي مكّنهم بقوته وعدله المطلقين من إنشاء إمبراطورية عظيمة فاقت كثيرًا -من حيث السعة والقوة والعمران والحضارة- إمبراطورية الإسكندر الأكبر، كما تجاوزت بمراحل الإمبراطورية الرومانية".

وأضافت الكاتبة تقول في منتهى الإعجاب والانبهار: "الحقيقة يعجز القلم تمامًا عن التعبير عن جمال القرآن البهي، وينحني تواضعًا أمام وضاءة أسلوبه المذهل!! إن الترجمة -أيًّا كانت قوة إبداعها- تعمل على تعتيم جمال القرآن المشرق وتخفي مقدار ما ينعم به من موسيقا لفظية لا توجد ألبتة في غيره من الكتب.. ولعل ما كتبه المستشرق جوهونسن يعبر تعبيرًا صادقًا ودقيقًا عن مدى إعجاب مثقفي الفرنجة وكبار مفكريهم بقوة القرآن الكريم وتفوقه على ما عداه من الكتب حيث قال -والفضل ما شهدت به الأعداء-: "من الصعوبة بمكان أن يدَّعي المرء أن القرآن من الشعر أو غيره من أوجه الكتابة الإبداعية، فهو في الحقيقة أعظم من ذلك بكثير.. وهو ليس تاريخًا ولا وصفًا.. كما أنه ليس موعظة كموعظة الجبل، بل ليس بينه وبين كتاب البوذيين وجه شبه من قريب أو بعيد.. هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية القرآن الكريم ليس خطبًا فلسفية سطحية تشبه محاورات أفلاطون، وإنما هو صوت النبوة يخرج بعمق وصفاء من القلوب السامية.. عالمي في جملته.. عميق المعنى في كل سوره وآياته". 

 أوردت إيفلين ما ذكره المستشرق الفرنسي الدكتور مارديل عندما كلفته الحكومة الفرنسية بترجمة بعض سور القرآن.. حيث أشار إلى أن للقرآن الكريم مزايا متفردة لا توجد في غيره من الكتب، وفي ذلك قال ما معناه: أسلوب القرآن هو أسلوب الخالق عزّ وجلّ، لأنه أسلوب يستحيل أن يصدر إلا من إله.. وأشار إلى أن أكثر الكتَّاب ارتيابًا وشكًّا وأشدّهم مكابرة خضعوا لتأثير سحره وحارت عقولهم أمام إعجازه وخارت قواهم حيال عظمة سلطانه.. بل إن سلطانه المذهل على ملايين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم كافة بلغ حدًّا جعل المبشرين يجمعون على أنه لم تُثبت إلى الآن حادثة واحدة مؤكدة تشير إلى ارتداد أحد المسلمين عن دينه -بينما غير المسلمين يدخلون في دين الله أفواجًا- وهو أمر يعزى إلى الاتساق المتجانس والجزالة الباهرة التي يفيض بها أسلوب القرآن الكريم، وهو يؤثر بعمق في نفس كل سامع له يفقه اللغة العربية ويحيط بمعانيها.. الأمر الذي يقلل من تأثيره العظيم عندما تتم ترجمته إلى لغة أخرى.

الحقيقة أن للقرآن أسلوبًا باهرًا تفوَّق بقوة على ما كانت تنهجه العرب -وهم أهل بيان ساحر- من نظم ونثر، فأسلوبه المتفرد الحسن، وكلماته الوضيئة الملتئمة، وإيجازه المحكم الدقيق، ومقاطعه الجيدة المنسقة، وقصصه المنسجمة الجاذبة، وأمثاله البديعة الجامعة، إلى غير ذلك من أوجه الدرر البيانية، كل هذا جعله في أعلى درجات البلاغة، حيث يتمتع أسلوبه بقوة مهيبة تملأ القلب روعة وتجعل القارئ لا يملّه ولو ظل يردّده طوال حياته دونما توقف وكذلك الحال مع سامعه؛ فهو يمتاز بسهولة ألفاظه وانسجامها مع بعضها بعضًا بحيث لا يحس المرء فيها بلفظ غير متسق مع آخر، وحينما يضاف إلى كل ما سبق ذكره سمو معانيه العميقة يدرك المرء مدى بلاغته المذهلة وإعجازه الباهر.. إنه السهل الممتنع ذو الكلمات السهلة المبنى القوية المعنى.

ونختتم هذه القصة بالإشارة إلى المآل الحسن الذي أنعم به الله تعالى على الكاتبة المعروفة والشاعرة البريطانية إيفلين كوبلد حيث حولها -بكرمه المطلق وفضله الذي لا تحدّه حدود- من امرأة من بين ملايين النساء اللائي يفترشن أوحال المادة الآسنة ويلتحفن ظلمات أرواحهن المسكونة بالضلال، إلى عابدة صادقة تحرص على إعمار بيت الآخرة، وداعية مخلصة تدعو بني جنسها وغيرهم من بني البشر لتعرّف الإسلام على حقيقته حتى يعتنقوه كما فعلت، ويتذوقوا حلاوة الإيمان كما وجدتها..

فالمؤمن الحق.. يتذوق حلاوة للإيمان لا يعرفها إلا من عرف الله..

فمن ذاق.. عرف..

ومن عرف عزّ عليه ألا يعرف الآخرون..

عزّ عليه أن يرى البشر يتخبطون بحثًا عن السعادة..

للسعادة طريق واحد.. طريق الله..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2009)؛ الإنجيل قادني إلى الإسلام؛ حلب: دار الكتاب العربي.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.