عدد الزيارات: 2.5K

السؤال العجيب


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 29-08-1439

أفريقيا.. تلك القارة الجميلة الحائرة..

لغات وقبائل وأعراق وديانات.. تتوق إلى الحرية.. إلى الإسلام!!

لو عرفوا الإسلام على حقيقته لآمنوا ودخلوا في دين الله أفواجًا..

فقط يحتاجون لمن يعرض عليهم الإسلام بلغتهم التي يفهمونها..

بطل قصتنا هذه أحد الأدلة الواضحة على ذلك..

ولد في أثيوبيا لأب يهودي وأم نصــرانية.. درس في صباه الباكر التوراة والإنجيــل، واختار أن يصير نصرانيًّا كأمه.. لم يكن اختياره نابعًا عن قناعة بالديانة النصرانية، ولكن للأفضلية التي يحظى بها أتباع هذه العقيـدة في بلاده التي تعد أحد معاقل النصرانية في أفريقيا.. نال ثقة الكنيسة فيما يقوم به من نشاط في حركات التبشير والتنصير حتى وصل إلى أعلى المراتب الكنسية.. داخله الشك في النصرانية عندما وقع تحت يده كتاب يتضمن تفاسير قرآنية باللغة الأمهرية.. اعتنق الإسلام وتحول من مبشر يكنّ العداوة للإسلام إلى داعية إسلامي أخاف مجلس الكنائس العالمي.. دبرت له العديد من المؤامرات لقتله.. عندما خاب سعيهم أرسلوا له حسناء مصابة بمرض الإيدز فتزوجها فكانت سببًا في وفاته ودفن بمكة المكرمة وسبقته زوجته التي نقل لها المرض.. إنه القس الأثيوبي السابق ملقاه فقادو الداعية الإسلامي الشهيد محمد سـعيد.

عندما شب ملقاه عن الطوق وجد نفسه يعيش في دوامة من الحيرة فيما تعلق بالديانة التي يعتنقها.. فهو لم يجد نفسه في التوراة ولا في الإنجيـل، إذ رأى في الأولى مجموعة من الأقاصيص والأساطير التي عمد الكهان والأحبار إلى حشوها بكل ما هو غريب بعد أن حرفوا الكلم عن مواضعه، فلم يتقبل عقله ما تحويه التوراة المحرفة من خرافات وأباطيل، فتركها جانبًا وتحول إلى دراسة الإنجيل، ولم يكن أحسن حالًا من سابقه، حيث وجد الكثير من التناقضات الجلية الواضحة بين نصوص الأناجيل الأربعة، كما اتضح له أن النصرانية لا تقدم تفســيرًا للحياة والكون ولا تعمل على تنظيم علاقة راشدة واضحة لمعتنقيها في شؤون الدنيا والآخرة، الأمر الذي جعله يوقن بأن الأناجيل ليست الكتاب المنزل على عيسـى -عليه السلام-، أما الإسلام فلم يحاول "ملقاه" ألبتة دراسته حتى هذه المرحلة، لأن الدعاية الكنسية القوية والمؤثرة صوّرته له على أنه دين أكثر شعوب الأرض تخلفًا، كما ظلت تنسـب العديد من الافتراءات والأكاذيب إليه وإلى المسلمين، لذلك ظل "ملقاه" ومنذ صغره يبغض الإسلام بشدة.

عندما بلغ مبلغ الرجال بدأ بطل قصتنا يبحث له عن مهنة تليق بمستوى أسرته الاجتماعي ويوفر له دخلها حياة مرفهة تجعله يحيى في رغد من العيش.. بعد بحث طويل وتفكير عميق وجد ضالته المنشودة في السلك الكنسي، حيث الاحترام الوافر والمرتب الكبير والسـيارة الفارهة.. ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الشاب "ملقاه" قسيسًـا لامعًا يشار إليه بالبنان فوجد نفسه يتمتع بمركز اجتماعي مميز كما وجد عامة الناس يبجلونه ويقبلون يديه فضلًا عن مناداتهم له بلقب "أبانا".

استمر عمل ملقاه في الكنيسة لمدة ست سنوات، اجتهد خلالها في الدعوة إلى النصرانية في حماسة منقطعة النظير، خاصة أنه كان يتمتع بمميزات عدة، حيث الراتب السخي والسكن الأنيق والسيارة الفاخرة في بلد يعاني معظم أهله وطأة الفقر المدقع، بل إن الكثيرين منهم يموتون جوعًا.. وطوال فترة عمله بالكنيسة ظل بطل قصتنا يعمل بجد وإخلاص حتى كسب ثقة الكنيسة بنشاطه التنصيري المخلص فرضيت عنه وأوصلته إلى أعلى مراتبها وأصبح أحد قادتها، بل استحوذ على ثقة كبار القساوسة ما دفعهم إلى تحميله المزيد من المسؤوليات الكبرى في مجال التنصير..

كان ملقاه يعشق القراءة والاطلاع، فما أن يقع بصره على كتاب يتحدث عن الإنجيل إلا وقرأه.. في إحدى جلساته للقراءة تفاجأ بكتب إنجيلية مترجمة تتحدث عن الدين الإسلامي وتطرح سؤالًا عجيبًا مفاده: هل الإسلام دين سماوي أم لا؟! عندما وصل إلى هذه النقطة بدأ يعيد طرح السؤال على نفسه لعدة مرات.. بعد مرور أيام قليلة واتته الفرصة ليطلع على كتاب للتفاسـير القرآنيـة كتب باللغة الأمهرية! مثلت هذه الواقعة نقطة فارقة في حياته بل غيّرت مساره مئة وثمانين درجة.. في البدء بدأ يقارن بين ما وجده في الكتاب الأخير وما قرأه سابقًا في الترجمـات الإنجيــلية عن دين محمد.. أخذ الشك في الكنيسة يتغلغل داخل نفسه وبدأ يشعر بالتحريف الهائل الذي أحدثته الكتابات المغرضة ضد الدين الإسـلامي.. لكن وعلى الرغم من الشكوك التي بدأت تساوره حول الكنيسة ظل بطل قصتنا يعمل بجد وإخلاص في خدمتها والدعوة لمعتقداتها حتى كانت تلك الليلة! 

في ليلة لا تنسى رأى ملقاه في منامه رجلاً يقترب منه في المنام ويوقظه هاتفًا به أن يقرأ شهادتي: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، وسورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4).. فقام من نومه فزعًا وقد روعته تلك الرؤيا الغريبة التي لم يستوعبها، ففسرها بفهمه القاصر على أنها ضغث من أضغاث الشيطان.. تكررت الرؤيا لليلتين أخريين، بل رأى في الليلة الثالثة نوراً يضيء أمامه الطريق ورجلًا يقرئه الشهادتين وسورة الإخلاص، فأدرك على الفور أن هذه رؤيا حق وليست من عمل شيطان رجيم كما كان يتوهم، لأنه شعر بالنور الذي أضاء طريقه في الرؤيا قد تسرب في وجدانه وأنار بصيرته فتوصل إلى يقين تام مفاده أن الإسلام هو الدين الحق وما دونه باطل.. لم يطُل التفكير كثيرًا بملقاه لأنه وبحكم دراسته اللاهوتية كان مطلعًا على الإشارات العديدة التي بشرت برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، الأمر الذي جعله يشهر إسلامه عن قناعة راسخة.. بل استطاع دون كبير عناء إدخال زوجـــته وأطفاله الثلاثة في الإسلام.. وكان أول ما فعله "ملقاه" عقب إشهاره لإسـلامه تغيير اسمه إلى "محمد سعيد" معتبرًا ذلك اليوم يوم ميلاده الحقيقي شـاكرًا الله تعالى على ما أنعم به عليه من نعمة الإسلام وما أعظمها من نعمة.

عقب إشهاره لإسلامه عكف محمد سعيد على إعداد دراسة تبين الأسباب التي دفعته إلى اعتناق الإسلام مسلطًا الضوء في تلك الدراسة على حقيقة المعلومات الخطأ حوله التي تشتمل عليها الكتب الإنجيلية، بعدها أورد الحقائق الثابتة التي تفضح زيف تلك الكتابات ومن ثم رفعها إلى المجلس الإسلامي الأعلى في أديس أبابا.

بالطبع كشرت الكنيسة عن أنيابها لذلك القس الذي فضحها بعد أن عاش بداخلها ردحًا من الزمن ليس بالقصير بحساب كشف المستور.. لم تكتفِ الكنيسة بحرمانه من الامتيازات التي كان ينعم بها من مســكن راقٍ وسيارة فاخرة وراتب ضخم وغير ذلك، بل اجتهدت بجد حتى أدخلته الســجن ليلقى صنوفًا وألوانًا من التعذيب في محاولة لرده عن إيمانه وحتى يكون عبرة وعظة لكل من يفكر مجرد التفكير في ترك النصرانية والالتحاق بركب الإسلام.. نعم تحرك كبار القساوسة بسرعة وحركوا أذنابهم في السلطة الشيــوعية إبَّان عهد "منجستو هايلي مريام" فسلطوا عليه أجهزة الأمن التي قامت باعتقاله، وحبسته داخل السجن لمدة ثلاثة أشهر بلا ذنب جناه سوى أنه اعتنق الإسلام وتخلى عن المسيحية.

عقب خروجه من السجن فكر محمد سعيد في الاستفادة من علاقاته الشـخصية فنجح في إدخال قرابة ثلاثمئة شخص جديد لدين الإسلام.. وكرد فعل لنشاطه الدعوي المخيف الذي أقضّ مضاجع القساوسة وهزّ أركان الكنيسة قام الأسقف "كارلويوس" رئيس القساوسة برشوة أجهزة القمع في نظام "منجستو" الديكتاتوري، ليجد محمد سعيد نفسه ثانية داخل السجن بل انتابه الإحساس بأنه لن يرى الشمس مرة أخرى، خاصة أن الكنسيين مستمرون في ملاحقته بشكل عنيد.. لكن وبفضل من الله تعالى حصل المسلم الجديد على إفراج لم يكن يتوقعه ولا حتى في عالم الأحلام!! حدث ذلك خلال زيارة قام بها الدكتور "عبدالله عمر نصيف" الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لأثيوبيا حيث التقى الرئيـس الأثيوبي السـابق "منجستو" وطلب منه الإفراج عن محمد سعيد، فاستجاب لطلبه بحول الله وقوته.

دخل في هدنة مؤقتة مع الكنيسة عقب إفراجه الأخير إذ لم تلاحقه لفترة من الزمن فقد وجدت أن وسائل التعذيب لا تجدي معه نفعًا فرأت أن تغض الطرف عنه حتى لا يتحول إلى رمز من رموز الإسلام في أثيوبيا وقدوة تدفع الكثيرين من رعايا الكنيسة إلى ترك النصرانية واعتناق الإسلام.

خرج "محمد سعيد" من السجن أقوى إيمانًا وأشد تصميمًا على إيصال دعوة الحق إلى غيره، ولتأهيل نفسه كداعية إسلامي مؤثر ظل محمد سعيد يقضي معظم وقته في حفظ القرآن الكريم ودراسة العلوم الإسلامية، على الرغم من المشقة الكبيرة التي كانت تواجهه باعتباره من الناطقين بغير اللغة العربية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن "محمد سعيد" استفاد من دراسته العميقة للتوراة والإنجيل في استـكشاف الكثير من أوجه الإعجاز القرآني، وأنه بحكم عمله السابق كقـس كان يدرك تمامًا الأساليب غير السوية التي تلجأ إليها جماعات التنصير من أجل جذب الفقراء والمحتاجين من المسلمين إلى الديانة النصرانية، إذ يستغلون حالة الفقر التي يعيشون فيها فيدعمونهم ماديًّا وصحيًّا وتعليميًّا ليكسبوا ودّهم ومن ثم يسيطرون على عقولهم ويقنعونهم بأن خلاصهم في الدنيا والآخرة في الديانة النصرانية.

فجأة ودونما سابق إنذار انتهت الهدنة بين الكنيسة ومحمد سعيد! فعندما شعرت الكنيسة بازدياد خطر الأخير عليها لعلمه بأساليبها غير السوية في مجال التنصير ولعلمهم بأساليبه الفعالة في دفع المسيحيين إلى اعتناق الإسلام بدؤوا التفكير مرة أخرى من التخلص منه إلى الأبد.. وما أن فطن بطل قصتنا إلى التآمر الجديد حتى أخطر مكتــب رابطة العالم الإسلامي بأثيوبيا الذي قام وبالتنسيق مع الأمانة العامة للرابطة بمــكة المكرمة بمنحه تأشيرة دخول إلى المملكة العربية السعودية لإبعاده عن مضايقات رجال الكنيسة من جهة ولتعليمه مبادئ الإسلام في مهبط الوحي من جهة أخرى.. ونظرًا إلى عدم إلمامه باللغة العربية تم إلحاقه بمعهد اللغة العربية التابع لجامعة أم القرى بمنحة من الرابطة، كما تم تأمين سكن مناسب له ولأسرته بمكة المكرمة، فضلًا عن تخصيص راتب شهري له يليق بمكانته.. ونظرًا إلى حدة ذكائه استطاع محمد سعيد أن يتعلم أساسيات اللغة العربية في وقت قياسي إلى جانب تعمقه في دراسة العلوم الإسلامية.

لكن برغم مغادرته الأراضي الأثيوبية وانتقاله إلى المملكة العربية السعودية لم يتركه أعداؤه من النصارى إذ أرسلوا له ابـنة راعي الكنيسة قادمة من أثيوبيا وهي شابة حسناء، أتته باكية تستنجد به وتدّعي أن أفراد أسرتها وعلى رأسهم أبوها يريدون قتلها لعلمهم بأنها تنوي اعتناق الدين الإســلامي وهي قد جاءته لإنقاذها وطلبت منه أن يتزوجها ويعلمها الإسلام.. وبالفعل تزوجها وأسـكنها في جدة بينما زوجته الأولى كانت تسكن معه في مكة المكرمة.. لم يكن يدري محمد سعيد أن قصة الفتاة الشابة ما هي إلا امتداد لمؤامرات الكنيسة التي أرسلت له حسناء مصابة بمرض الإيدز فانتقلت إليه العدوى ونقلها بدوره -دون أن يدري- إلى زوجته الأولى.. ولما أدركت الحسناء الأثيوبية نجاح مهمتها عادت هربًا إلى أثيوبيا تاركة وراءها المرض الخطير يسري في جسد محمد سـعيد وزوجته التي توفيت بعد عدة أشهر بينما هزل جســمه هو وضعفت قوته حتى توفي ودفن بمكة المكرمة.

كيد وحقد ودسائس ومؤامرات تصل إلى حد القتل بالإيدز!!

أي دين لله هذا الذي يأمر بذلك؟!

إن الله بريء من مثل هذه الأديان.. من مثل رجال الدين هؤلاء!!

تأمّل الفرق الشاسع بين هؤلاء المجرمين والدعاة المسلمين.. دعاة السلام والخير!!.

واختر لنفسك.. أي الفريقين تحب أن تنتسب إليه..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-----------------------------------

المصادر:

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد: http://www.saaid.net

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

معدِّي، الحسيني الحسيني (2009)؛ الإنجيل قادني إلى الإسلام؛ حلب: دار الكتاب العربي.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.