عدد الزيارات: 6.7K

الرحلة المباركة


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 11-03-1438

 

يقتلون البراءة..

يذبحون الطهر على مذبح المادة..

يمسحون بالنقاء قذارة الشهوات..

يغرون الإنسان كي ينسى أنه إنسان..

المقاومون وحدهم هم الناجون بإنسانيتهم..

الإسلام.. الدين الذي يحفظ للإنسان إنسانيته.. النور الذي يهدي إلى الغاية الحقيقية للحياة..

الإسلام.. هو المنهج الذي أعاد إلى بطلة قصتنا شعورها بأنها إنسانة.. وليست صنمًا.. أو جمادًا..

كانت في الثامنة والعشرين من عمرها.. غانية حسناء أغرقها جمالها الغامر في عالم الشهرة والإغراء من شعر رأسها حتى أخمص قدميها.. كانت تحلم في صغرها بأن تعمل ممرضة متطوعة تساعد المرضى.. بدافع من أهلها استغلت جمالها الصارخ في عمل يدرّ عليها وعلى أسرتها الربح المادي السهل والكبير، ويجلب لها الشهرة الواسعة.. لكن.. في مقابل ذلك دفعت الثمن غاليًّا بأن فقدت إنسانيتها الكريمة وتحوّلت إلى صنم بارد فاقد للحياة والحياء.. زيارة لبيروت -حيث كانت الحرب مستعرة- مثَّلت نقطة فارقة في حياتها.. بدأت وقتها خطوتها الأولى في طريق الإنسانية، ثم واصلت طريقها حتى دخلت الإسلام من أوسع أبوابه.

إنها فابيان عارضة الأزياء الفرنسية المعروفة وبطلة هذه القصة.. ما سبق ذكره يدور حول حياتها الأولى فماذا عن قصة خروجها من أضواء الشهرة المعتمة بظلمات الجهل والضلال ودخولها إلى رحاب الإسلام المشبعة بفيوض النور حتى الارتواء؟

تقول فابيان بلسان يلهج بالشكر لله تعالى وبصوت مملوء بالإيمان: "لولا فضل الله تعالى عليّ ورحمته الواسعة بي لفقدت حياتي وأضعتها في عالم مادي ينحدر فيه المرء من إنسان كريم ولد نقيًّا بالفطرة إلى حيوان جامح كل همّه إشباع الرغبات والغرائز بلا قيم ولا مبادئ".

وتروي فابيان قصتها قائلة: "منذ طفولتي كان حلمي الوحيد يتمثل في أن أعمل ممرضة متطوعة أساعد المرضى وأخفف آلام الأطفال.. مرت الأيام سراعًا وكبر معي حلمي الجميل.. لكن.. انتبه الجميع لما أصبحت أتمتع به من جمال تزيّنه الرشاقة.. فجأة تحول الجميع من حولي -بمن في ذلك أفراد أسرتي- إلى أبواق ملحاحة تحرّضني على وأد حلم الطفولة البريء، واستغلال جمالي الصارخ في عمل أكسب من ورائه ربحًا ماديًّا وفيرًا، وأحصل على شهرة واسعة.

وجدت الطريق إلى عالم الشهرة أمامي سالكًا بمساعدة من جمالي ودعم من الشيطان.. لم يمض عليّ وقت طويل حتى تذوقت طعم الشهرة، كما فاضت حياتي بالهدايا الثمينة التي هطلت عليّ من كل ناحية وصوب.

ولكن.. دون الشهد خرط القتاد.. نعم لقد دفعت الثمن غاليًّا.. فلا نجاح في مجالي دون التجرد الكامل من إنسانيتي.. فلكي تنجح الفتاة وتتألق في مثل هذا المجال يشترط عليها أن تقتل في دواخلها مراكز الإحساس، والشعور.. كان يتحتم عليّ أن أفعل ذلك وأن أتخلى كلية عن الحياء الذي تربيت عليه، وأن أفقد ذكائي الذي عرفت به، وأن يقتصر فهمي فقط على حركات جسدي الرشيقة، وإيقاعات الموسيقا الحالمة التي تصاحب العرض، بل كان عليّ أن أحرم من جميع أنواع المأكولات اللذيذة، وأن أعيش على الفيتامينات الكيميائية وعلى المقويات والمنشطات، ومن قبل ذلك كله فرض عليّ أن أفقد تمامًا مشاعري تجاه البشر فلا أكره.. ولا أحب.. وأن أفقد نفسي فلا أرفض شيئًا يملى عليّ.

 قالت فابيان وهي تتنهد في حسرة ومرارة: لم تجعل مني بيوت الأزياء سوى صنم متحرك مهمته الأولى العبث بالقلوب واللعب بالعقول.. لقد تعلمت فيها كيف أكون باردة قاسية من الخارج مغرورة فارغة من الداخل.. مجرّد إطار آلي يرتدي الملابس.. جماد يتحرك بلا أحاسيس ذي وجه يبتسم بلا مشاعر.. لم أكن أنا فحسب المعنية بقانون البرود؛ فقد كان يطبق على الجميع.. وكان الالتزام به يمثل معيارًا للنجاح.. فكلما تألقت العارضة في تجرّدها من بشريتها وتنكرها لآدميتها زاد قدرها وعلا شأنها في هذا العالم البارد.. والعكس صحيح لمن تخالف أيًّا من تعاليم الأزياء؛ إذ ستجد نفسها عرضة لألوان شتى من العذاب.. صنوف متعدّدة من العقوبات يدخل فيها الأذى النفسي جنبًا إلى جنب مع نظيره الجسماني! 

وتسترسل "فابيان" في حديثها قائلة في حرقة: "لقد عشت جزءًا من حياتي أتجول بين دول العالم.. أعرض أحدث خطوط الموضة بكل ما فيها من تبرّج وإرضاء لرغبات الشيطان الخبيثة في إبراز مفاتن المرأة دون خجل أو حياء.. لم أكن حينذاك أحس بجمال الأزياء التي تغطي جسدي الخاوي من كل شيء كريم.. وفي المقابل كنت أشعر بنظرات الازدراء والاحتقار في أعين الحضور.. يا للمأساة لقد كانوا يحتقرون شخصي بينما يحترمون ما أرتديه.. ومعهم كل الحق في ذلك.. أولم أكن مجرد صنم بارد خالٍ من الحياة؟!

وتتنهد فابيان بصوت مسموع قبل أن تقول: كنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ورزاياها.. الويل كل الويل لمن تعرض عليها الرذيلة فترفضها وتحاول الاكتفاء بعملها فقط.. وقد كنا نستحق ذلك.. أولم نكن مجرد دمى لا تملك قرارها بيدها؟!

وعن التحول الجذري المفاجئ في حياتها تقول فابيان في حماسة: "كنا في رحلة عمل إلى بيروت التي دمرتها المؤامرات وأحرقتها نيران الحرب.. رأيت هناك كيف يبني الناس الفنادق والمنازل تحت دوي المدافع.. دخلنا مستشفى للأطفال أنا ومعي زميلاتي من الأصنام البشرية.. نظرت زميلاتي إلى الأطفال الجرحى كعادتهن بلامبالاة.. على عكسهن تأثرت كثيرًا بمرأى الأطفال الأبرياء وهم يدفعون ثمن فاتورة حرب أشعلها الكبار.. بل انقشع عن عيني زيف الحياة التي كنت أعيشها.. اندفعت في سرعة نحو أشلاء الأطفال في محاولة مني لإنقاذ من لم يمت منهم جراء جراحه.

لم أعد إلى الأصنام البشرية.. كانوا يتوقّعون عودتي إلى الفندق حيث الجميع في انتظاري جنبًا إلى جنب مع الشهرة الزائفة والأضواء الخاوية.. نعم أنهيت بمحض إرادتي حياة الزيف والضلال لأبدأ أولى خطوات رحلتي نحو الإنسانية.. إنها رحلة مباركة أوصلتني بدورها إلى طريق الهدى لأنعم بنور الإسلام.

تركت بيروت ورائي وذهبت إلى محطة أخرى أكثر تقدمًا في طريق الإنسانية حيث وصلت باكستان لأعيش عند الحدود الأفغانية حياة حقيقية تعلمت منها كيف أكون خادمة للإنسانية.. مكثت بهذه المحطة ثمانية أشهر تفرغت خلالها لرعاية الأسر التي عانت ويلات الحرب.. ليس هذا فحسب بل أحببت الحياة معهم، فأحسنوا معاملتي.. الحقيقة حياتي مع الأسر الأفغانية والباكستانية زادت كثيرًا من قناعتي بالإسلام كدين وكدستور للحياة إذ أعجبني أسلوبهم الملتزم في حياتهم اليومية.. فاعتنقت الإسلام عن قناعة. 

بدأت حينذاك تعلّم اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وقد أحرزت تقدمًا مقدرًا في ذلك.. سبحان الله مغير الأحوال.. لقد تغيرت كيميائية نفسي تمامًا فبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من صانعي الموضة في العالم أصبحت حياتي تسير وفقًا لمبادئ الإسلام.

لم تيأس بيوت الأزياء العالمية من عودة فابيان لها مرّة أخرى بعد اعتناقها الإسلام فمارست عليها ضغوطًا دنيوية مكثفة.. لقد أرسلوا لها الهدايا الثمينة كما أغروها بمضاعفة دخلها الشهري إلى ثلاثة أضعاف بيد أنها رفضت بإصرار.. عندما فشلت سياسة الإغراء مع فابيان لجأت تلك الجهات إلى الأساليب القذرة كمحاولة تشويه صورتها أمام الأسر الأفغانية.. قاموا بنشر أغلفة المجلات التي كانت تتصدرها صورها السابقة حينما كانت تعمل عارضة للأزياء، وعلقوها في الطرقات والأماكن العامة في محاولة منهم للإيقاع بينها وبين أهلها الجدد، ولكن خاب ظنهم وفشل مسعاهم..

وتنظر فابيان إلى يدها في دهشة وتقول: "لم أكن أتوقع يومًا أن أقوم بتعريض يديَّ للأعمال الشاقة وسط الجبال وأنا التي كنت أقضي الساعات الطوال في المحافظة عليهما ناعمتين.. لكن هذه المشقة لم تزد يديَّ إلا نصاعة وطهارة، وسيكون لها حسن الجزاء عند الله سبحانه وتعالى إن شاء الله".

 سبحان الله!! ركلت فابيان وراءها الثراء والشهرة والمجد والحياة المادية الزائفة لتعيش حياة قاسية بين الجبال لتساعد الجرحى والمرضى لكي تنعم بالحياة الحقيقية السعيدة في الدنيا ولكي تنال الثواب من الله تعالى في الآخرة..

نعم.. الحياة الحقيقية.. في الدنيا والآخرة..

فالإنسان قد يحيا.. ولكنها حياة زائفة.. حياة هي والموت سواء..

وحده الإسلام.. هو من يحيي موات القلوب..

وحده الله سبحانه.. من يهدي إلى الحق..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

--------------------------------------

المصادر:

ابن علي، أبو إسلام أحمد (2008)؛ عادوا إلى الفطرة؛ مكتبة صيد الفوائد الإلكترونية.

العشّي، عرفات كامل (2001)؛ رجال ونساء أسلموا؛ القاهرة: المكتب المصري الحديث.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

محمود، عبد الرحمن (2005)؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ المكتبة الإسلامية الشاملة.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.