عدد الزيارات: 5.2K

الراهب البوذي


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 18-04-1438

عندما عبد الإنسان الأوثان قديمًا كان ضالًّا..

جاحدًا لآيات الله في الكون حوله..

أما في عصرنا الحديث.. فكيف نصف من يعبدون الأوثان والأحجار؟!

لا يستطيع أصحاب العقول الواعية.. والنفوس السوية أن يتقبلوا مثل هذه الأديان..

لا ينسجم العلم مع هذه العبادات..

لا يستسيغ القلب هذه الطقوس والعقائد..

من هذه العقائد.. العقيدة البوذية..

بطل قصتنا.. ولد لأبوين فقيرين يدينان بالبوذية.. ومنذ صغره كان ينفر من التماثيل التي يعبدها قومه.. مال في شبابه إلى قراءة الكتب الإسلامية.. قارن بين الإسلام وتعاليمه وممارسات قومه التي تأباها النفس السوية.. النتيجة التي توصّل إليها قادته إلى اعتناق الإسلام وتحول من راهب بوذي متزمت إلى داعية إسلامي متسامح.. إنه الراهب البوذي والزعيم السياسي التاميلي "ساندراموتي" بطل هذه القصة.

ولد "ساندراموتي" في إحدى قرى سيريلانكا.. كان أبواه ينتميان إلى طائفة "التاميل" وكانا كبوذيين يداومان على طقوس العبادة أمام الآلهة المزعومة.. بل أمام التماثيل الجامدة ذات الأشكال البشعة التي وظفها الكهان لكي يسيطروا على عقول البسطاء ويبتزوهم ليثروا هم ثراءً فاحشًا مقابل فقر مدقع يعيشه ضحاياهم من المستضعفين.

منذ صغره اتخذ ساندراموتي له موقفًا واضحًا تجاه تلك التماثيل أو الحجارة البليدة الصماء التي صنعها بنو جلدته ثم أمعنوا في إجلالها وتوقيرها؛ فهو لم يقتنع يومًا بأنها قادرة على أن تنفع أحدًا أو تضرّه.. وعندما نضج عقله بدأ ساندراموتي يقارن بين تعدد عبادات البوذيين وأشكال تماثيلهم القبيحة من جهة وما سمع المسلمون يرددونه عن إلههم الواحد الذي ليس كمثله شيء من جهة أخرى.

وتحدث ساندراموتي إلى نفسه فيما يشبه الهمس: نعم يمكن لبوذا أن يكون رجلًا زاهدًا وصاحب تعاليم صالحة، ولكن يستحيل له أن يرقى إلى درجة الإله، لأن الكون كان موجودًا قبل وجوده، وما زال باقيًا بعد رحيله!!

أفكار كثيرة وأسئلة محيرة كانت تدور في عقل ساندراموتي ما جعله صاحب نفس قلقة تواقة للبحث عن الحقيقة.. وما أن بلغ الثالثة والعشرين من عمره حتى كان قد اطلع على العديد من كتب الفكر.. وفي الفترة ذاتها اطلع ساندراموتي على سيرة الرسول مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- ما دفعه إلى قراءة العديد من الكتب الإسلامية التي ألمَّ عبرها بحقيقة العقيدة الإسلامية وبكونها شريعة شاملة أرسلت للناس كافة، فضلًا عن أنها صالحة لكل زمان ومكان.

 وأخذ ساندراموتي يقارن بين ما قرأه عن الإسلام وسيرة رسول الله مُحمَّد -صلى الله عليه وسلّم- والممارسات الوثنية للبوذيين وغرق الواحد منهم في الفواحش من شعر رأسه حتى أخمص قدميه.. بل انبهر كثيرًا بما يتميز به الإسلام من تنظيم محكم ودقيق لعلاقة العبد بأخيه، وعلاقة العبد بربه، تلك العلاقة المباشرة التي تتميز عن بقية الديانات السماوية وغير السماوية بخلوها التام من أي وساطة أو كهانة تقف بين العبد وربه.. كما أدهشته المساواة بين مختلف شرائح المجتمع التي ينفرد بها الإسلام حيث لا يتميز أحد عن غيره إلا بمدى تقواه وإخلاصه لربه.

ولم يمض وقت طويل حتى أشهر ساندراموتي إسلامه وهو في الرابعة والثلاثين من عمره وقد أضاف إلى اسمه اسمين وضيئين خالدين في ذاكرة كل مسلم، إذ تسمى باسم "ساندراموتي مُحمَّد أبو بكر".. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أهالي سيريلانكا لا يقبلون أن يحتفظ شخص باسمه القديم إذا ما فكر في اتخاذ اسم جديد، بيد أن ساندراموتي كسر هذه القاعدة واحتفظ باسميه البوذي والإسلامي حتى يخدم الإسلام ويعرف به –كما يقول– لأن الاسم البوذي مع شخص مسلم يثير الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي دعت أحد البوذيين إلى اعتناق الإسلام.

وما أن أشهر إسلامه حتى تحول ساندراموتي إلى داعية فاعل بدأ بعشيرته الأقربين حيث أخذ يحدث أسرته وأقاربه وأصدقاءه عن الإسلام وفضائله.. ولم يمض وقت طويل حتى استطاع أن يكون سببًا في إسلام شقيقه وشقيقته، ثم والديه، وتلاهم والد زوجته، وجدته، وزوجته وأبناؤه جميعًا.. ولم يأبَ الإسلام من أفراد عائلته إلا شقيقين له بقيا بوذيين لأنهما عضوان في "حركة نمور التاميل". 

نعم خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام.. لم يكتف ساندراموتي باعتناقه للإسلام، إذ دفعته مشاعره المتأججة إلى أن يسهم في إنشاء "حزب المؤتمر الإسلامي"، وهو أول حزب إسلامي في بلاده، ليس هذا فحسب، بل قام بتأسيس منظمتين اجتماعيتين لخدمة الإسلام والمسلمين.. أكثر من هذا أذهل ساندراموتي الجميع بفوزه الساحق في الانتخابات البرلمانية ليكون عضوًا برلمانيًّا فاعلًا يسعى لرفع الغبن والظلم عن مسلمي سيريلانكا، فضلًا عن تبنيه لقضايا المسلمين وغيرهم من الأقليات المستضعفة المقهورة التي لا بواكي لها وليس لها أحد يتحدث عنها ويدافع عن حقوقها المسلوبة.

 وهكذا أصبح ساندراموتي داعية إسلامي لا يخشى في قول الحق لومة لائم إذ وضع على عاتقه مهام الدعوة الإسلامية التي من أهمها التصدي لأساليب التنصير التي يقوم بها المنصرون بين أوساط المسلمين في بلاده، مستغلين عاملي الفقر والجهل، ولهذا السبب يدعو ساندراموتي إلى زيادة عدد المراكز الإسلامية الموجودة في بلاده عامة، وفي سيريلانكا خاصة التي يظن أنها وبحكم موقعها ستصبح مصدر إشعاع للدعوة الإسلامية في منطقتها.. ومن جهة ثانية يدعو ساندراموتي إلى ترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغتين السيريلانكية والإنجليزية، كما يدعو إلى التوسع في برامج تعليم اللغة العربية لمسلمي بلاده كي يصبحوا بدورهم دعاة يشرحون مبادئ الإسلام لقومهم.

ومن الأمور المهمة التي طالب بها ساندراموتي ضرورة مساعدة حديثي العهد بالإسلام لأن هؤلاء يتعرضون لضغط هائل من أجل ارتدادهم عن الإسلام، كفقدان مورد رزقهم بطردهم من العمل، خاصة أن البوذيين يسيطرون على كل الأنشطة الاقتصادية وعلى كافة مناحي الحياة. وهنا يتساءل ساندراموتي والعبرة تخنقه: إذا كان أثرياء النصارى يدعمون الكنائس وحركات التنصير بالمبالغ الطائلة، فما بالهم أثرياء المسلمين يتقاعسون عن القيام بواجبهم تجاه الدعوة الإسلامية؟!

سبحان الله!! من كان يظن أن راهبًا بوذيًّا يعمل قومه جاهدين على قطع شأفة المسلمين يتحول بفضل الله سبحانه وتعالى إلى داعية همام ينافح في شراسة لنصرة هؤلاء المسلمين ضد بني جلدته؟!!

بل يتحول إلى سياسي كبير يثق به المسلمون فيمنحونه أصواتهم ليدخل البرلمان مدافعًا عن قضاياهم ومصالحهم في وجه البوذيين؟!

إنها قدرة الله..

هدايته للباحثين عنه في كل شيء.. حتى في أنفسهم..

فطوبى للمهتدين.. طوبى لهم..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------------

المصادر:     

السرجاني، راغب (2013)؛ عظماء أسلموا؛ القاهرة: دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة.   

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.