عدد الزيارات: 2.4K

الحاخام اليهودي


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 08-04-1439

حاخام يهودي يؤم المسلمين!!..

جملة تصلح لكي تكون عنوانًا لأحد أفلام الخيال العلمي حيث يبتكر العلماء -داخل قصة الفيلم- مستحضرًا سحريًّا يغيِّر كيميائية ذلك الحاخام اليهودي فيتقدم المصلين المسلمين في طرفة عين!!

لو أُنتج فيلم مثل هذا وعرض قبل بضع سنوات على أكثر الناس سذاجة لما اقتنعوا به..

الآن وبعد إسلام بطل قصتنا هذه فالأمر يختلف تمامًا!

في مدينة مرغلان التاريخية بجمهورية أوزبكستان عاش بطل قصتنا إبراهيم بن إسماعيل بولات.. ولو أن أحدًا في هذه المدينة حدّث آخر قبل بضع سنوات بأن بولات يعتزم دخول الإسلام، لسخر منه، لأن هذا الرجل كان أحد أبرز حاخامات يهود المدينة، وأحد المتعمقين في دراسة الديانة اليهودية، وأحد مدرسي شباب اليهود الذين تعلّموا منه أسس ديانتهم اليهودية وطقوسها، ولكنها إرادة الله التي شاءت أن تنقذ روح هذا الرجل، وتهديه إلى طريق الحق عبر رحلة إيمانية طويلة.

كغيرها من مدن جمهورية أوزبكستان، قدّر لمرغلان أن ترزح تحت وطأة الحكم الشيوعي الذي أدخلها برغم أنفها وأنف أهلها في عام 1917م ضمن منظومة ما كان يعرف باتحاد الجمهوريات السوفيتية الذي تأسس نتيجة للانقلاب الشيوعي على حكم القياصرة.

لقد ذاق المسلمون الويل والثبور تحت حكم القياصرة، بحكم تعصب هؤلاء الأخيرين للنصرانية، وبسبب عدائهم السافر للإسلام والناتج من تنافسهم السابق مع الخلافة العثمانية على زعامة البلقان.. بيد أن ما ذاقه أهل هذه الدولة الإسلامية على أيدي الشيوعيين يجعل من حياتهم السابقة في ظل الحكم القيصري نزهة لطيفة تدخل البهجة والفرح في القلوب.. فالنظام الشيوعي حوّل الإسلام في الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي إلى ديانة تمارس في السر؛ إذ حرم المسلمين من الحصول على الحد الأدنى من الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها أي مواطن في أي دولة.. بل هدم هذا النظام معظم المساجد، ومنع الجهر بالأذان بدعوى أن "الدين أفيون الشعوب".. والأمر المحزن أن تطبيق هذا المبدأ اقتصر فقط على المسلمين، بينما أتاح لغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى هامشًا كبيرًا من الحرية.

ووسط هذا الجو المكفهر الذي كبّل حرية المسلمين، عاش إبراهيم بولات، حيث أتيحت له –كيهودي– حرية كبيرة لم يتح عشرها لأي مسلم.. ما جعله يتوصل إلى خطأ المقولة التي تزعم أن الشيوعيين نكّلوا باليهود، إذ إن الشيوعية هي ربيبة للصهيونية.

أعجب إبراهيم بمعاصريه من المسلمين الذين حافظوا على عقيدتهم وممارسة طقوس دينهم سرًّا دون أن يهابوا الموت، ودون أن تشوش على هويتهم الأسماء السوفيتية التي أجبروا على التسمّي بها.

إن المجتمع الذي عاش وسطه إبراهيم بولات أتاح له فرصة التعرف إلى المسلمين عن قرب، وبالتالي لاحظ الاختلاف الجوهري في الأخلاق بين اليهودي والمسلم، الأمر الذي جعله يبدأ رحلته مع الإيمان في مرحلة باكرة من عمره.. وبالتحديد منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره.. ففي تلك السن الغضة، كان غير قادر على استيعاب الكثير من تعاليم الديانة اليهودية التي تم تلقينها له من قبل أسرته وحاخامات اليهود.. ومن ضمن ما لقن له منذ نعومة أظفاره مقولة إن اليهود هم "شعب الله المختار" وما عداهم من البشر خلقوا فقط لخدمة اليهود.. شواهد مرئية كثيرة أقنعته بعدم صحة هذه المقولة.

لقد لاحظ بولات من جهة أن بني جلدته من اليهود يكذبون بقدر ما يتنفسون الهواء ويستحلون مال بعضهم بعضًا ومال غيرهم ويتعاملون بالربا الذي نهت عنه التوراة، ويعتبرون استغلالهم لغير بني جنسهم عبادة دينية.. بينما من جهة أخرى لاحظ أن المسلمين لا يستحلون مال أحد، ولا ينظرون إلى غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى نظرة احتقار، كما لاحظ أن بينهم مودّة ورحمة لم يجدها عند غيرهم.. كل هذا جعله يحترم المسلمين ويحبّهم ويكره اليهود ويحتقرهم. 

من أهم الأسباب التي جعلت بولات يشكك في صحة العقيدة اليهودية وسلامتها، النظرة الاستعلائية التي اعتاد اليهود أن ينظروا بها إلى غيرهم من البشر، وتقوقعهم الاجتماعي على بعضهم بعضًا.. فضلًا عما كان يسمعه من أصدقائه من المسلمين في حديثهم عن تحريف التوراة، وعن حقيقة أن الكتاب المقدس الحالي كتاب محرّف زوّره الأحبار الذين ساءهم خروج النبوة من بيت يعقوب –عليه السلام– إلى بني عمّه من أولاد إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام-.

عندما لاحظت أسرة بولات أن ابنها بدأ يشكك في عقيدة آبائه قررت إلحاقه بدراسات يهودية حتى يصير حاخامًا.. لكن غلبت إرادة الله تعالى على إرادتهم وانقلب السحر على الساحر؛ إذ إن دراسة إبراهيم بولات المتعمقة في شؤون العقيدة اليهودية جعلته يعمل عقله وبالتالي يدحض الكثير من خرافات بني إسرائيل الذين حرّفوا العقيدة اليهودية وحادوا بها عن طريقها المستقيم الذي كانت عليه، ومالوا بها مع الهوى، فهم يدّعون التوحيد، وفي الوقت نفسه يزعمون أن العزيز ابن الله، ويدّعون عبادة الله، وفي الوقت نفسه يصفونه بأوصاف لا تليق به –تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا–.

ولكن برغم شكوكه الكثيرة ظل بولات متمسكًا باليهودية، فتزوج من يهودية، وأنجب منها أولادًا.. ساعده استقرار حياته عقب زواجه على التركيز في دراساته.. وبعد دراسات متعمقة انتهى إلى نتيجة واضحة مفادها أن اليهودية بصورتها المحرفة بعيدة كل البعد عن أن تحقق له استقرارًا نفسيًّا أو تقدم له إجابات منطقية عن الأسئلة العقدية الملحاحة التي كانت تزلزل كيانه.. مرّ بذاكرته شريط من الصور لأصدقائه من المسلمين الذين كانوا يتمتعون بالطمأنينة والسكينة على الرغم من عيشهم في ظل ظروف قاسية من القهر والاضطهاد والتنكيل التي كان يسومهم بها الشيوعيون في ظل حكمهم المريع.. تمنى لحظتها من كل قلبه لو كان واحدًا من أولئك المسلمين حتى يتمتع مثلهم بحياة السكينة والاطمئنان والاستقرار النفسي والروحي.. بيد أن حرصه على متاع الدنيا وخوفه من غضب طائفته وأسرته كانا سببين جعلاه غير قادر على نبذ العقيدة اليهودية واعتناق العقيدة الإسلامية على الرغم من كرهه للأولى وحبه للثانية.

أمام صراع نفسي مرير عاشه بولات متنازعًا بين العقيدتين، قرر أن يعقد موازنة بينهما، ثم يستفتي قلبه، لينتهي إلى اعتناق أصلحهما، وأقربهما إلى القلب والعقل، انتهت الموازنة بعد دراسات طويلة للشريعتين الإسلامية واليهودية، إلى قراره الحاسم باعتناق الإسلام، بعدما وجد فيه ما يلبّي حاجته الروحية، ويجيب عن جميع التساؤلات التي تدور في عقله، كما وجد فيه صورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض لخالق الوجود، وتنزيهه عن الشبه بغيره، والإقرار بوحدانيته وربوبيته، فضلًا عمّا وجده في الإسلام من إقرار بالرسالات السماوية التي سبقته واحترامه للأنبياء السابقين كافة.. وأيضًا مما دفعه لاعتناق الإسلام ما وجده فيه من أن التقوى هي أساس المفاضلة بين البشر، هذا إلى جانب العديد من القيم والمعاني النبيلة السامية التي انفردت بها الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع باعتبارها خاتمة الرسالات، وهاله أن يكتشف أن الإسلام هو عقيدة آبائه منذ أقدم العصور، ودمعت عيناه عندما قرأ قول الله تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران: 67.

قرّر بولات أن يحدد بشجاعة وثقة مصيره بين دنيا فانية، وآخرة باقية، فاختار الآخرة، وأعلن إسلامه، برغم علمه التام ما ينتظره من بطش الحزب الشيوعي ربيب اليهود، ومن سخط أهله وجيرانه وأصدقائه الذين يكرهون الإسلام ويكنّون له العداوة والبغضاء.. عقب إعلان إسلامه دعا إبراهيم معارفه وأصدقاءه وزملاءه إلى وليمة أقامها بمناسبة اعتناقه الإسلام آملًا أن يجعل الله منها سببًا في هدايتهم.

لم يكتف بولات بإشهار إسلامه، وإنما تحول هذا الحاخام اليهودي السابق الذي تمرّس في الدعوة وأساليبها إلى داعية إسلامي يعمل على هداية الناس إلى دين الحق، فبدأ بعشيرته الأقربين، فهدى الله على يديه زوجته وأبناءه ووالده الذي اعتنق الإسلام قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى بشهرين فقط.

هجر الحاخام اليهودي السابق إبراهيم بولات عمله في مصنع النسيج وتفرغ للدعوة الإسلامية، حيث التحق بمسجد مرغلان الذي عمل فيه مؤذنًا، وإمامًا، ومحفظًا للقرآن الكريم.. وقد كان يعطي أولوية في برنامجه الدعوي للنشء إلى جانب اهتمامه بدعوة أصدقائه ومعارفه من اليهود موظفًا في ذلك علمه المتعمّق بأسرار العقيدة اليهودية، آملًا في إنقاذ أرواحهم وهدايتها إلى طريق الحق..

الطريق الوحيد المؤدي إلى الله.. المؤدي إلى الجنة..

الطريق الذي يكفل للإنسان راحة البال وسكينة الروح..

سالكو هذا الطريق لم يجدوه سالكًا ممهدًا.. بل اجتهدوا وثابروا وتحملوا.. فكانت الجائزة.. وما أعظمها من جائزة..

لذا ابدأوا الخطوة الأولى فقط.. ليس عليكم أكثر من ذلك..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

----------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

الطويل، محمد ناصر (1 نوفمبر 2012)؛ الحاخام بولات.. يتحول إلى داعية للإسلام؛ من موقع قصة الإسلام: www.islamstory.com

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.