عدد الزيارات: 2.9K

الجنرال المؤذن


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 08-04-1439

إذا قيل لأحدهم إن شيوعيًّا ملحدًا يصلي وحده في منزله لأصابته الدهشة!!

وإذا قيل له إنه يصلي في جماعة فستزداد دهشته!!

أما إذا قيل له إنه يؤذن للصلاة في مسجد أو يؤم المصلين فإن تقدير ردّ فعله متروك لك..

لكن عليك بتقديره قبل أن تبدأ قراءة حكاية إسلام أناتولي بطل هذه القصة..

ولد أناتولي في مدينة باكو بأذربيجان، ونشأ في صغره بين مطرقة أسرة نصرانية غير متدينة وسندان حكم شيوعي يرى أن الدين أفيون الشعوب. وبين هاتين المزدوجتين شبّ أناتولي ملحدًا ينكر وجود الله ويكفر بكل ما هو غيبي خارج حدود المادة، وتربطه بالنصرانية فقط هويته التي لم تجد لها طريقًا إلى قلبه برغم أنف قساوسة الكنيسة.

حينما التحق أناتولي بالمدرسة كان يشعر بالضيق من أحاديث زملائه من المسلمين حينما يتحدثون في أمور الدين.. أحس زملاؤه بتضايقه منهم ثم علموا أنه شيوعي قح متزمت فتجنبوه اتقاءً لبطشه.. في المقابل حقد عليهم حقدًا تنامت جذوره بصورة طردية مع نموه.

عقب إكماله دراسته التحق أناتولي بالجيش، وترقى في الرتب، حتى بلغ رتبة لواء (جنرال).. وطوال فترة خدمته بالجيش كان يضرب به المثل في الشيوعي المنضبط الذي يحفظ تعاليم ماركس ويطبقها ربما أكثر من صاحبها.. وبرغم كفره بكل الديانات فإن حقده على الإسلام كان أشد وأنكى، بل كم صرح عن رغبته في قتل كل مسلم تقع عليه عيناه.

فرح كثيرًا عندما سنحت له الفرصة في تحويل رغبته المتوحشة تلك إلى واقع ملموس!! فكلّف قيادة القوات الروسية في جبهة قندهار بأفغانستان لردع المجاهدين الأفغان الذين ثاروا على الحكم الشيوعي في بلادهم المسلمة.

وصل الجنرال أناتولي إلى أفغانستان لتنفيذ مهمته الخطيرة.. وبالطبع لم يكن في حاجة إلى توصية بضرورة سحق أولئك الذين رفضوا أفكار ماركس وتعاليم لينين، لأن حقده الدفين القديم على الإسلام كان يكفي لجعله يرتكب المجازر الدامية مستخدمًا الأسلحة الفتاكة ضد جماعات مسلحة بعدد قليل من البنادق وقدر عظيم من الإيمان.

عندما بدأ هذا الجنرال تنفيذ مهامه القتالية في أفغانستان كان يظنها ستكون سهلة وممتعة كرحلة صيد في البرية.. لقد كان ينظر للمجاهدين الأفغان كجماعة متخلفة يتشبث أفرادها بأوهام غيبية عديمة المعنى، بل كعصابة بدائية يعاف أفرادها التحضر والمدنية كما يعاف الإنسان البرص والجذام.. ما عزز من ثقته بهزيمتهم حقيقة أنهم لا يملكون سوى أسلحة تقليدية بسيطة محدودة لا قدرة لها على الصمود في وجه أسلحته الفتاكة.. لكن!! ما أن بدأت المعارك حتى وجد أناتولي جيشه العرمرم ذا العدة والعتاد العظيمين يواجه رجالًا أشاوس يقاتلون بضراوة باهرة ويحرصون على الموت أكثر من حرصهم على الحياة.. ويملكون سلاحًا ذا قوة مطلقة لا تصمد في وجهه ترسانة الدمار السوفيتية الفتّاكة، إنه سلاح الإيمان وما أعظمه من سلاح!! بل إن الموت والشهادة في سبيل الله أسمى أمانيهم.

فجع الجنرال أناتولي بمرأى قواته وهي تنال الهزيمة تلو الأخرى من قبل فصائل المجاهدين قليلي العدد والعتاد.. وجد نفسه يعيش في حالة من الهلع والحيرة أمام النتائج غير المنطقية التي تلوح أمامه؛ فبالحسابات البسيطة –وهو الرجل المادي والخبير العسكري– ما كان يتوقع أن يصمد أمامه عدوه سوى لحظات قلائل.. ومما زاد من حيرته ثبات الأسرى الذين لم يزدهم التعذيب الوحشي الذي تلقوه من قبل جنوده -وبأمر منه- إلا ثباتًا على الحق وصلابة في مواجهة الباطل.

نتائج معاركه غير المنطقية هذه جعلت تفكيره ينحو منحى آخر غير مادي، إذ أحس بأن هناك قوى غيبية تحرس انتصار الأفغان وتقف وراء انتصارهم.. هزائمه الأخيرة التي تلقاها من المجاهدين الأفغان أيقظت فطرته السليمة فقرر مجالسة بعض الأسرى لعله يكتشف سرّهم الخطير المحيّر!

احتار الحاجب حينما طلب منه الجنرال أن يأتيه ببعض الأسرى وهو الشيوعي الملحد الذي كان يعاف المسلمين بشدة بل زادت حيرته -أي الحاجب- حينما طلب منه أن يقدم لهم الطعام والشاي! 

تفاجأ الأسرى بالجنرال المتكبّر والطاغية المتوحش وهو يجالسهم ويتحدث معهم بلطف ومودة ويسألهم العديد من الأسئلة عن الدين الإسلامي الذي لم يأتِ من بلاده إلا ليحاربه.. في حضرة المشهد الباهر المحيّر نسي الأسرى معاناتهم فسألوا الله تعالى الهداية للجنرال جلّادهم السابق وجليسهم الحالي.. حدثوه عن الإسلام حديثًا يلين القلب ويقنع العقل.. تأثر كثيرًا بحديثهم وبدأ يشك في صدقية أفكار ماركس ولينين.. بل أصبح غير مقتنع بالحرب التي تخوضها بلاده ضد أناس أبرياء.. وبرغم ذلك استمر في تنفيذ ما يتلقاه من تعليمات وأوامر منهم ولكن ليس بنفس حماسته السابقة.

شعر أناتولي براحة كبيرة عندما قررت حكومته الانسحاب من الحرب بعد الهزائم الفادحة التي منيت بها من قبل المجاهدين الأفغان.. عاد إلى باكو تتقدمه طلائع الهموم وتظلله سحب الحيرة بعد أن زلزل كيانه حتى المخيخ صراع نفسي رهيب.

عاد الجنرال إلى أسرته الصغيرة مستنجدًا بزوجته وابنته وابنه عساهم يساعدونه في التخلص من اضطراباته.. حاول جاهدًا البحث في باكو عن معين يرشده إلى الحقيقة بين دعاة المسلمين.. فشل في مساعيه لأن منصبه العسكري الرفيع جعل الجميع يعيشون وسط دوامة من الشك والخوف مردّها خشيتهم أن يكون مدسوسًا عليهم من قبل السلطات الشيوعية التي تطارد الدعاة أينما وجدوا وتهدم المساجد على رؤوس المصلين.

لكن فجأة وعلى غير توقع منه وجد ضالته المنشودة حينما تم نقله إلى "لما آتا".. لقد تعرف هناك إلى الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسين الذي غمر روحه المتعطشة للحقيقة بالإجابات الشافية لكل تساؤلاته المحيّرة العنيدة حتى اقتنع بالدين القويم.. لكن برغم اقتناعه باعتناق الإسلام فإن الحظوظ الدنيوية جعلته يركن إلى التردد لعدة أسابيع؛ إذ كان خائفًا على فقدانه منصبه الكبير، فضلًا عن أن أصدقاءه نصحوه بتجنب ضربات الويل والثبور التي سوف يصليه بها قادة النظام الشيوعي.

وفي صبيحة يوم مشرق غير عادي استيقظ أناتولي من نومه وقد وصل إلى قناعة تامة في اتخاذه لقراره المصيري الصائب، فضرب بنصيحة زملائه عرض الحائط، وتوجه إلى الشيخ محمد حسين في الإدارة الدينية حيث نطق أمامه بالشهادتين واختار أن يتسمى باسم "علي".. عقب إعلانه لإسلامه قفل عائدًا إلى أسرته تتقدمه طلائع الفرح بيد أن أسرته استقبلته بوجوم كاد يفسد بهجته.. نعم قلقت أسرته باعتناقه الإسلام، غير أن قلقها ازداد واختلط بالتعجب حينما رأته يتحول من جنرال كبير إلى مؤذن للمسجد.

بعدها اجتهد "علي" غاية الاجتهاد في سبيل إقناع زوجته وأولاده باعتناق الإسلام، وكان له ما أراد إذ شاء الله تعالى أن يعتنق أفراد أسرته الثلاثة الإسلام لتكتمل فرحة الأسرة الصغيرة بإيمانها العظيم.

للإلمام بتعاليم دينه أخذ "علي" يتلقى دراسات إسلامية متخصصة على أيدي عدد من المشايخ، ومن ثم أخذ يعلّم هذه التعاليم لزوجته وأولاده.

 ونختتم هذه القصة بالإشارة إلى أن أسرة علي الصغيرة غمرتها السعادة مرتين: المرة الأولى عندما اعتنق كل أفرادها الإسلام، والمرة الثانية عندما سقط النظام الشيوعي الملحد وعادت القيم الأصيلة إلى بلدهم الحبيب جمهورية أذربيجان الإسلامية.

نعم.. لقد انهزم الجنرال عسكريًّا في أفغانستان.. لكنه الفائز من الخسارة.. الفائز بالإيمان.. وما أعظمه من فوز..

فسبحان من يليّن قلوب العصاة الجبابرة!!..

ألان قلوبهم.. وما أنت بجبار مثلهم.. فلين قلبك أيسر وأقرب..

فقط توجه إليه.. افتح قلبك للنور..

اسأل الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

---------------------

المصادر:

الألفي، أسامة (2005)؛ لماذا أسلموا؟ القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي.

فارس، نايف منير (2010)؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت: دار ابن حزم.

عبد الصمد، محمد كامل (1995)؛ الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء؛ ثلاثة أجزاء؛ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر.    

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد http://www.saaid.net

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.