عدد الزيارات: 1.8K

التحريف المقدّس


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 29-03-1439

النور.. قد لا ينتبه له بعض من عاشوا فيه دائمًا..

كذلك قد ينعم الله على عبد بالإيمان.. بالنور..

إلا أنه لا يراه بعمى بصيرة ناتج من الاعتياد!!..

من كان مسلمًا وتنصّر يجد عيوبًا في النصرانية..

ولكنه لا يصرح بهذه العيوب إرضاءً لسادته الجدد..

ومن كان نصرانيًّا وأسلم يصرح بعيوب النصرانية..

النادر من كان مسلمًا فتنصّر ثم عاد إلى الإسلام..

فسيكون لحديثه عن النصرانية تأثير أكبر..

ندعوكم للتعرف إلى قصة القس النيجيري مسعود النرواجو أديوجو الذي تنقل بين الإسلام والنصرانية مرتين فاكتشف الفرق بينهما كما لم يكتشفه أحد مثله..

انتقل من وسط نوراني لم يكن يبصره بسبب بصيرته العمياء إلى ظلمة زيّنها له المبشرون كشلالات من الضياء ثم عاد إلى النور مرة أخرى بعد أن وجد ما زين له مجرد سراب خادع ليمتع ناظريه وقلبه بنور حقيقي تراه الآن بصيرته التي أسهمت ظلمة النصرانية في إيقاظها من سباتها العميق.

ولد بطل قصتنا مسلمًا، بيد أنه تنصّر لاحقًا معتقدًا أن النصرانية هي الدين الحق كما يدّعي مروّجوها الغربيون من أصحاب الدعاية التنصيرية.. لكن بعد مرور فترة وجيزة على اعتناقه النصرانية بدأت شكوكه حولها تزداد يومًا بعد يوم.. في البدء قضى سنوات عديدة يبحث فيها عن الحقيقة هنا وهناك فاطلع على كل العلوم السرية، كعلوم السحر والتنجيم، والتصوف، وعلوم الأسرار وما يسمى بالـ "كابالا".. وعندما لم يصل إلى نهاية مريحة مقنعة توصل إلى ضرورة أن يقوم ببحث مستقل عن الإسلام والمسيحية، وقرر داخل نفسه أن يتحرى الموضوعية والصدق في بحثه.

تجشم الصعاب وبدأ بدراسة مرهقة للكتاب المقدس حيث اطلع عليه صفحة صفحة.. كلمة كلمة.. اندهش بشدة! فمن ناحية اكتشفت أن فيه آثارًا من الإسلام أكثر مما فيه من النصرانية.. ومن ناحية أخرى، عرف أن ما يطلق عليه النصارى الكتاب المقدس يحوي عددًا من التناقضات الفاضحة والتحريفات الواضحة التي تجعله لا يستحق تسميته بالكتاب المقدس.

من الصعب جدًّا على إنسان عاش وترعرع في كنف النصرانية، محاطًا بهالة من الأكاذيب والأوهام، أن يصطدم فجأة بحقيقة أن كتابه المقدّس ليس مقدّسًا. الدكتور دبليو جراهام سكروجي من مؤسسة مودي للكتاب المقدّس في مدينة شيكاغو الأمريكية، وهي جمعية نصرانية تبشيرية عالمية، له كتاب بعنوان: "هل الكتاب المقدّس كلمة الله؟"، يقول فيه: "الكتاب المقدّس بشري، وبعيدًا عن الحماس، والتماسًا للعلم، فهذه الكتب (الكتاب المقدس هو مختارات من عدة كتب) صناعة بشرية بلغة بشرية، وكتبها أناس، ولها صفات الصناعة البشرية". هذا التصريح واضح ولا يحتاج منا إلى أي تعليق!

ننتقل إلى شهادة عالم نصراني آخر مشهور عن الكتاب المقدّس، وهو أسقف بيت المقدس، كينيث كراج، حيث يقول في كتابه "نداء المنارة": "ليس عهدًا جديدًا.. ففيه اختصارات وزيادات، وهناك صياغة جديدة، وشواهد. فالأناجيل مرّت بتحريف تقوده الكنيسة، ولا يعدو كونه عرضًا للتاريخ والخبرات". وهذه اعترافات صريحة واضحة!

نعود إلى بطل قصتنا القس مسعود النرواجو أديوجو لنستمع إليه وهو يقول لنا في حرقة منتقدًا ثقافة القطيع التي يعانيها النصارى: "هذا هو حال النصارى، فالمعضلة والمشكلة الأساسية مع النصراني المعاصر أنه لا يكترث بالاطلاع على كتابه المقدس! وأنه لا يدرسه كما فعلت أنا لكي يصل إلى الحقيقة، ولو أنه قد فعل ذلك –أعني لو قام أي نصراني ممن ولد وعاش في هذا الدين بقراءة "كتابه المقدس" قراءة خالصة لمعرفة الحق، قراءة ناقدة ببصيرة– فسوف يكتشف –ويا لحزنه وشجنه– أن دينه بحاجة إلى أن يعيد التفكير فيه كثيرًا؛ فالمسيح -عليه السلام- لا علاقة له بما آلت إليه النصرانية، وسيكتشف أنه حتى اسم الكتاب المقدس نفسه (Bible) لا ذكر له في الكتاب المقدس، فهي كلمة مخترعة.. كما أن أساس الاحتفال بميلاد المسيح المسمى بـ "عيد الكرسماس" وعيد الفصح والتثليث (Trinity) لا وجود لكل ذلك في كتابهم المقدس".

في إطار بحثه عن الحقيقة، وفي أحد الأيام من عام 1985م قام بطل قصتنا بزيارة لإحدى المكتبات الإسلامية في "فينسبري بارك" في لندن واشترى في ذلك اليوم كتابًا يسمى "حياة محمد" لمؤلفه الدكتور محمد حسين هيكل، وما أن قرأ ذلك الكتاب واستوعبه وفهم معانيه حتى برز توجهه نحو الإسلام، فأصبح من يومها يقرأ الكتب الإسلامية الأخرى لعلماء مسلمين مثل أبي الأعلى المودودي، وأحمد ديدات وغيرهما.

وعندما قرأ نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية لعبد الله يوسف علي وجد نفسه مؤمنًا برسالة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلّم-، بل ما أن قرأ القرآن حتى شعر بنفسه مغمورًا بنور الإسلام.. ولم يضع وقتًا في حث الخطى نحو الرجوع إلى الإسلام، ليبدأ حياته الإسلامية بنظافة روحية، هو وكل أفراد أسرته، ومنذ ذلك اليوم ظل يردد بصوت جهوري وعلى رؤوس الأشهاد علنًا: "إن القرآن هو الوثيقة الوحيدة التي تشتمل على الحق المنزل من عند الله التي ما زالت صافية طاهرة باقية على أصلها وصفائها منذ أن أوحى الله تعالى إلى الرسول –صلى الله عليه وسلّم- حتى يومنا هذا، وسيظل كذلك إلى يوم الدين".

وفي هذا الجانب يرى بطل قصتنا أن القرآن الكريم لا يشبه "الكتاب المقدس" عند النصارى في شيء، إذ إن الأخير ظل وعلى مدار التاريخ، عرضة لتباين وجهات النظر والتنقيح الدوري والتحريف وتلاعب رجال الكنيسة به حتى يخدم أغراض الكنيسة الدنيوية ويحقق المصالح الشخصية لسدنتها.. ولذلك فإن "الكتاب المقدس" يحوي آلاف الأخطاء التي تشوش على النصارى واليهود على السواء عقيدتهم، ومع ذلك فإن النصارى يروجون الأباطيل وينشرون الأكاذيب ويشيعون المتناقضات الفاسدة ليضللوا البسطاء ويبعدوهم عن الرسالة الحقة رسالة الإسلام.

وعن تسبيح الله بين النصرانية والإسلام، يقول مسعود يسبح المسلمون الله ويمجدونه ويحمدونه بعبارات جميلة متسقة مشتركة بين جميع المسلمين وفي جميع الظروف والأحوال مثل: "لا إله إلا الله"، "الله أكبر"، "سبحان الله"، و"الحمد لله"، و"استغفر الله" وإلى غير ذلك من العبارات الجميلة سهلة المبنى عميقة المعنى، أما في النصرانية، فإنه لا توجد طريقة واحدة مشتركة منظمة أو أنموذج يحتذى به سواء كان ذلك من حيث العبارات التي تقال لكل ظرف وحالة، أو من حيث المناسبات نفسها، إلا عبارة واحدة هي: "هلولويا" أو عبارة "آمين"، ولذلك فإن ممارستهم للشعائر تختلف وتأخذ مناحي مختلفة، بدءًا بالتصفيق مرورًا بذرف الدموع وانتهاءً بالرقص والضرب على الطبول!! من ناحية ثانية يشير محمد سعيد إلى أن أغلبية النصارى يفضلون أن يحمدوا "المسيح"! بدلًا من أن يحمدوا الله، بالإضافة إلى إكثارهم من حمد "الثالوث" المتوهم؛ أي: ادعاء أن الثلاثة في واحد تساوي إلهًا واحدًا؛ حيث يقولون: المجد للآب والابن وروح القدس! ولا شك في أن مبدأ التثليث يمثل قمة الغباء والتشويش الروحي والاضطراب في المسيحية.

أما بالنسبة إلى أسلوب العبادة فيقول بطل قصتنا إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف بأن العبادة هي المظهر الأساسي للدين لذلك نجد أن هناك خمسة أركان للإسلام، فالصلاة على سبيل المثال ذكرت مفصلة وبصورة دقيقة؛ من حيث التوقيت والكيفية إلى جانب أن المسلمين يؤدونها وهم يقفون بكل تواضع وانكسار لله تعالى.. من ناحية ثانية فإن الوضوء شرط للصلاة كما أن الصلاة نفسها فرض على جميع المسلمين، فضلًا عن أن لصلاة الجماعة ميزة أخرى تجعلها أفضل من صلاة الفرد أو العبادة الفردية.. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في جميع أنحاء العالم أي صوت يخرج على إجماع المسلمين على العبادة بالشكل المذكور.

في المقابل إذا نظرنا إلى النصرانية، فإننا لا نجد دليلًا في كتابهم المقدس يصف شكلًا معينًا من العبادات يمثل نموذجًا يتبعه جميع النصارى، بل إن المسيح -عليه السلام- نفسه لم يدع إلى النصرانية بشكلها المحرف الحالي طوال سني دعوته الثلاث.. بل من السهل إثبات أن كل رسل الله الذين أرسلوا قبل الرسول محمد –صلى الله عليه وسلّم– بمن فيهم المسيح -عليه السلام– كانوا مسلمين كما وصفهم القرآن الكريم، بل إن هناك حالات ذكر فيها القرآن أن هؤلاء الرسل سجدوا لله تعالى في ذلّ وخضوع.

ويشير مسعود إلى أن النصرانية عبارة عن اعتقاد هش لا أساس له، وعلى الرغم من تعاليم الكتاب المقدس فإن النصارى في شتى بقاع الكرة الأرضية غير متفقين على موقف موحد تجاه "شرب المسكرات"، و"لعب الميسر"، وممارسة الفوضى الجنسية، والتعامل بالربا وإلى غير ذلك من المفاسد والأعمال التي لا تمتّ للأخلاق الفاضلة بصلة.. لذلك نجد أن الكثيرين يتشبثون بالنصرانية لأنها لا تلزمهم بتطبيق أي شعائر تعبدية يمكنها أن تمثل عبئًا عليهم ولذلك فهم يتخفون تحت عباءة النصرانية التي بإمكان قساوستها أن يغفروا لهم كل خطاياهم، كما يزعمون ويتوهمون!

ونختتم هذه القصة بتلخيص مقولة حكيمة لمسعود يرى فيها أن النصرانية تشويش وإرباك عقدي لا أكثر ولا أقل فموقف النصارى من المسلمين يمكن تلخيصه في أنك إن لم تستطع أن تقنع المسلم بالردة عن الإسلام فشوش عليه عقيدته، وانطلاقًا من هذه القاعدة تجدهم ينشرون الأضاليل والأكاذيب، إصرارًا منهم على التمرد على الحق.

إنها رحلة نادرة..

رحلة بين دينين.. حق فضلال.. فحق..

ذهاب وعودة تثبت لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..

تثبت أن الإسلام هو الدين ولا دين لله سواه..

فيا كل من ما زال تائهًا في رحلة البحث عن الحق..

لا تضيع عمرك في البحث عما تم البحث عنه.. والحصول عليه..

لقد وجده كل من سار في هذه الرحلة..

إنها هدية الهداية.. يهديها لكم الله.. فاقبلوا الهدية.. أسلموا..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-------------------------

المصدر:

مجلة البيان؛ أديوجو، مسعود النرواجو: من تجربتي مع النصرانية: اكتشفت تناقضاتها وزيفها؛ العدد 87/ إبريل 1995م.

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.