عدد الزيارات: 5.7K

أريني الدليل


إعداد: الدكتور/ أحمد محمد زين المنّاوي
آخر تحديث: 20/03/2019 هـ 03-01-1439

المهتدون الجدد..

يشعرون بالحسرة على ما أضاعوه من سنوات عمرهم في الضلال!!..

تزداد الحسرة عند المتعصبين منهم!!..

يشعرون بالخديعة.. بالضياع.. بالندم..

يا حسرتنا.. لقد كنا نتعصب للضلال ونحارب من أجل الباطل!!..

لقد أضعنا وخسرنا الكثير في سبيل الشيطان!!..

وحدها رحمة الله هي التي تهدئ من روعهم..

وحده الأمل في الغفران هو ما يعوض عليهم وينسيهم آلامهم..

فإلى كل متعصب لما هو عليه من ضلال..

لا تتمادَ واحتسب ليوم الهدى.. أو يوم الهلاك..

أحدهما أو كلاهما قادم بإذن الله.. لا تزِد من شعور الحسرة وقتذاك!!..

ثق بكلامي.. بل ثق بوعد الله..

قصتنا هذه ستعينك على الثقة.. تأمل قصة بطلتنا العنيدة المتعصبة..

منذ طفولتها شبت مبشرة متعصبة عنيدة.. توعدت كل من وقف في طريقها من المسلمين بالويل والثبور.. أين ما تذهب تقيم الدنيا ولا تقعدها بصخبها وضجيجها.. كان في اعتقادها أنها الوحيدة على حق وأن غيرها على باطل.. أخيرًا تداركها الله بلطفه وهداها إلى الإسلام لتتزوج من عدو لدود سابق استمرت لوقت طويل تقارعه الحجة بالحجة ومحاولة إقناعه بأفضلية النصرانية على الإسلام.. إنها السيدة رُبى قعوار بطلة هذه القصة..

رحل جدها مجيد وأخوه نجيب قعوار إلى الضفة الغربية ليعيشا مع عائلتيهما قرب بحيرة طبريا، بيد أنهم طُردوا من ديارهم عقب مقدم الإسرائيليين عام 1948 حيث اضطروا إلى الانتقال إلى الأردن، فاستقر والدها مجيد في مدينة الزرقاء، بينما فضّل عمّها نجيب الإقامة في العاصمة الأردنية عمّان.

قرّر والد رُبى في شبابه ترك الأردن فسافر إلى الدنمارك، حيث تيسرت له سبل النجاح فامتلك مطعمًا يدرّ عليه ربحًا وفيرًا، الأمر الذي دفعه للتفكير في الزواج.. عاد إلى الأردن مرّة أخرى بحثًا عن شريكة حياته، فاختارت له أمه بنت عمه نجيب، فتزوجها وعاد بها إلى الدنمارك.

في عام 1981 أنجبا ابنة أطلقا عليها اسم رُبى، وبعدها بأربع سنوات عادت الأسرة إلى الأردن مرّة أخرى، واستقر بها المقام في مدينة الزرقاء بالقرب من الكنيسة التي يعود تأسيسها لوالدهم مجيد.. تفرغ والد ربى آنذاك للعمل في خدمة الدين المسيحي، فأعاد فتح الكنيسة التي أغلقت أبوابها بعد وفاة والده مجيد، ثم أسس ثلاث كنائس أخرى في الأردن، كما توسع في نشاطه الديني، وأصبح قسيسًا لأربع كنائس في مدن أردنية مختلفة.

أما كلثوم قعوار والدة الطفلة رُبى، فقد كانت من أكبر القائدات المسيحيات في منطقة الشرق الأوسط، حيث أسست مؤتمرًا سنويًّا يحضره نحو 500 من النساء المسيحيات في المنطقة، لمناقشة العديد من الموضوعات الدينية والاجتماعية والسياسية التي تهمّ المرأة.

وهكذا نشأت الطفلة رُبى وترعرعت في كنف هذه الأسرة النصرانية التي كرّست كل وقتها ومالها لخدمة الدين المسيحي، الأمر الذي جعلها ترتبط بالكنيسة ارتباطًا وثيقًا.. وقد درست ربى اللاهوت المسيحي وبدأت في خدمة الكنيسة برغم أنها لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها.. ليس هذا فحسب، بل أصبحت قائدة ومرشدة في المجتمع المسيحي ومدربة لمعلمات الأطفال في الكنيسة، حيث ابتكرت لهم برنامجًا تعليميًّا متكاملًا لتدريس الكتاب المقدس.

أسرة رُبى أرضعتها كراهية الإسلام منذ نعومة أظفارها وجعلتها تحارب كل من له علاقة بالدين الإسلامي.. فعلى سبيل المثال وهي في المدرسة الإعدادية رأت طالبة مسلمة تؤدي صلاتها في خشوع فركلتها بقدمها ودفعتها وهي ساجدة على الأرض.. كانت كثيرة الشجار مع الطالبات المسلمات وكانت تسعى بشتى السبل إلى أن تثبت لهنّ أنها الوحيدة المثقفة بينهن وأنهن متخلفات لا يفقهن شيئًا.. لذلك اعتاد الجميع على رؤيتها وهي تحمل الكتاب المقدس على مدار الساعة، وتقرأ منه بصوت مرتفع، وفي مرات أخرى تختار أحد النصوص من الكتاب المقدس وتكتبه على لوح الفصل.. بل ما أن يحل شهر رمضان حتى تستمتع بتعمدها الأكل والشرب أمام الطالبات المسلمات وهن صائمات. 

في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية حضرت رُبى أحد دروس الثقافة الإسلامية بغرض الاستماع لما يقوله المسلمون عن الدين المسيحي.. غضبت يومها بشدة عندما سمعت إحدى الطالبات تقول إن الإنجيل محرف.. حاولت أن تثبت لهنّ أن الأناجيل الأربعة كتب إعجازية لأنها كتبت من أشخاص مختلفين (متى، مرقس، لوقا ويوحنا) في أماكن مختلفة وفي نفس الوقت، فقالت لها إحدى الطالبات المسلمات: "إذا كان الأمر كذلك فإنك تقولين إن الجن هم من كتب هذه الكتب الأربعة"! ازداد غضبها حينذاك وخرجت من الفصل مغتاظة لا تلوي على شيء.

أثارت تلك الحادثة فضول الطالبات فأصبحن يتحلقن حولها ويطرحن عليها العديد من الأسئلة عن دينها وحياتها.. كانت تجيب عن أسئلتهن في منتهى الحماس وكانت تحاول إقناعهن بالدين المسيحي عبر إبرازها الأدلة من الكتاب المقدس الذي لم يكن يفارقها لحظة.. عندما تكرّر الأمر بصورة لافتة للأنظار، استدعتها معلمة اللغة العربية بالمدرسة وطلبت منها التوقف عن التحدث مع الطالبات عن الدين المسيحي لأن القانون لا يسمح بذلك.. وعندما حاولت رُبى إنكار اتهام المعلمة لها، ردت عليها المعلمة بأن لديها شريطًا مسجلًا بصوتها وهي تتحدث مع البنات عن الدين المسيحي.. أحدثت كلمات المعلمة صدمة عنيفة لرُبى، وجعلتها تزداد كرهًا وحقدًا على الإسلام والمسلمين.. وبرغم تحذير إدارة المدرسة لها زادت رُبى من نشاطها التبشيري بين الطالبات المسلمات، بل دعت بعضهن للحضور إلى الكنيسة لإقناعهن بالدين المسيحي.

على الرغم من شغبها ومشاكساتها ونشاطها التبشيري فقد كانت رُبى متميزة ومجتهدة في دراستها، إلى جانب امتلاكها مواهب متعددة، ويكفي دليلًا على ذلك أنها حصلت في عام 1999 على عدد من جوائز الشرف على مستوى المملكة الأردنية الهاشمية في مجالات الرسم وعزف الموسيقى على البيانو والفلوت وعزف الموسيقى الشرقية.

عقب تخرجها في المدرسة الثانوية، التحقت المبشرة العنيدة رُبى بجامعة مؤتة الأردنية لدراسة الكيمياء.. ولسوء الحظ أو لحسنه كانت جامعة مؤتة آنذاك تحتضن أقوى الحركات الإسلامية على مستوى الجامعات الأردنية فوجدت المبشرة الطموحة أمامها أعتى التحديات.. مرت السنة الأولى بسلام دون حدوث أي صدامات دينية كانت متوقعة بين الطرفين.. أما في السنة الثانية فكان الأمر مختلفًا تمامًا حيث وجدت رُبى نفسها في مأزق لا تحسد عليه بعدما تحتم عليها أن تسجل في صف الثقافة الإسلامية كمادة إجبارية، وكان الصف يضم 150 طالبًا جميعهم مسلمون باستثناء طالبة مسيحية واحدة هي رُبى بطلة هذه القصة!

حاولت هذه الطالبة المسيحية الاستفادة من هذا الوضع الاستثنائي فأخذت تعتز بنفسها وتفتخر بتميزها عن الجميع.. لفتت رُبى الأنظار إليها بمناقشاتها الحادة مع أستاذ المادة الدكتور محمد الرواشدة إذ لم يكن يطرح موضوعًا حول الثقافة الإسلامية إلا وكانت تحرص على التعليق عليه والمشاركة في مناقشته بصورة فجّة تخلو من الاحترام لأستاذها مع استعراض أدلتها من الكتاب المقدس الذي كان لا يفارقها لحظة.

طلب أستاذ المادة منها زيارته في مكتبه، حيث أخذ يناقشها بموضوعية في حوار ديني هادئ بعيدًا عن فضول الطلاب ومداخلاتهم.. أخبرها بأنه يعلم من الدين المسيحي ما لا تعلمه هي، وأخذ يدعوها إلى الإسلام فأجابته في تعالٍ قائلة بحدّة: "اسمع يا دكتور، أنا ولدت مسيحية، وأبي قسيس لأربع كنائس، وأمي شخصية مهمة في المجتمع المسيحي، لذلك لا مجال لي أبدًا أن أغيّر ديني بأي حال، ولا أريد تغييره لأي سبب من الأسباب".

تأسف الدكتور وتنهد في يأس قائلًا لها: "الله يهديك" ولم يزد على ذلك.

عقب مقابلتها الدكتور محمد الرواشدة في مكتبه ازدادت جرأة وشراسة وبدأت تهاجمه دونما أدنى قدر من الاحترام والتقدير بل كانت تتهمه صراحة بأنه على خطأ وكذلك الحال مع الإسلام بينما هي على صواب.. أصيب الطلاب بالدهشة من جرأة زميلتهم المسيحية خاصة عندما تطور الأمر معها وأصبحت الطالبة المسيحية رُبى تجلس في الأماكن العامة لتناقش الجميع بكل جرأة وتدعوهم إلى اعتناق الدين المسيحي.. تسبب نشاط الطالبة رُبى في إحداث فتنة في الكلية، فتقرر فصلها من الجامعة قبل إكمال دراستها.

ولحسن حظها كان لديها في ذلك الوقت فرصة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فلم تتردد في انتهازها، وبالفعل هاجرت مع عائلتها إلى ولاية تكساس الأمريكية عام 2002، وكان يجب عليها أن تبدأ حياتها من الصفر.. ولم ينقض عام على وجودهم في الولايات المتحدة حتى توفي والدها مصابًا بمرض السرطان.. وبرغم المتغيرات الأخيرة الكثيرة التي حدثت في حياتها واصلت رُبى دراستها الجامعية وإن غيرت مسارها وتخصصت في التصميم الفني والرسوم المتحركة.. تحقق لبطلة قصتنا النجاح في مجالها الجديد حيث حظيت بالتفوق الأكاديمي لثلاثة أعوام متتالية، بل حصلت في عام 2005 على جوائز الشرف للرسم وعمل الرسوم المتحركة على مستوى الكلية.

الآن رُبى تعيش في بيئة أخرى مختلفة تمامًا في ثقافتها ولغتها عن موطنها الأصلي الأردن، فهل يدفعها ذلك إلى التنازل عن نشاطها في التبشير بالمسيحية؟! الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة إلى فتاة مسيحية متعصبة! بمجرد ما حطت رُبى رحالها في موطنها الجديد في ولاية تكساس الأمريكية واظبت على الذهاب إلى كنيسة دالاس المعمدانية العربية، حيث كان عمها هو قسيس هذه الكنيسة.. فزاد نشاطها الديني التبشيري وأصبحت تعد بعض البرامج والمناهج الجديدة وترسلها إلى الكنيسة في الأردن للمساعدة في تدريس الإنجيل للأطفال.. بل كان أحد أهم أهدافها الوصول إلى العرب المسلمين في ولاية تكساس ودعوتهم إلى المسيحية، وكان يحفزها على ذلك الهامش الكبير للحرية والتعبير الذي وجدته في المجتمع الأمريكي المسيحي.

وهكذا أصبحت رُبى تلتقي مجموعة من الشباب المسلمين العرب، وتحاول في استماتة إقناعهم بالارتداد عن الإسلام من خلال مناقشات ساخنة كانت تستخدم فيها الأدلة والبراهين لتعزيز حجتها.. عندما شعر هؤلاء الشباب بعجزهم عن منازلتها، أحضروا لها شابًا مغربيًّا اسمه "مصطفى بالحور"، لينوب عنهم في النقاش.. كانت المبشرة رُبى تنظر للأمر كسباق محموم لا بدّ من أن يكون فيه غالب ومغلوب، وهي لا ترضى بالخيار الثاني.. لكن فاجأها الشاب المغربي بمعرفته الواسعة في القرآن والسنّة، فسدّ أمامها كل الطرق للطعن في الإسلام، وبالتالي شعرت بأنه يمثل حجر عثرة وعقبة كبرى أمام مشروعها التبشيري الذي تودّ من خلاله تنصير الشباب المسلمين الذين وضعتهم كأهم تحدٍّ في حياتها.. استمرت جلسات النقاش الساخنة بين رُبى ومصطفى لفترة طويلة دون أن يرفع أحدهما الراية البيضاء ويستسلم أمام خصمه، وهو أمر يعزى إلى حقيقة أن أحد طرفي هذا الحوار الفتاة المسيحية رُبى التي تصف نفسها: بأنها "عنيدة جدًّا" في الأمور الدينية.

بمرور الوقت بدأت المبشرة المسيحية تشعر بالملل والضيق من كثرة النقاش والجدال العقيم غير المجدي.. وفي أغسطس من عام 2005 كانت أمها قادمة من الأردن، فانتهزت رُبى هذه الفرصة ورأت أنها حجة معقولة للانسحاب وتجنب النقاش مع مصطفى بدلًا من الإهانة التي سوف تشعر بها إن هي خسرت النقاش.. لذلك استأذنت للانصراف وبدأت أولى خطواتها لمغادرة المكان.. وفي تلك اللحظة الحاسمة ناداها مصطفى باسمها وقال لها في حزم: "أريد دليلًا"! استدارت وسألته عمّا يتحدث، قال لها: "اذهبي فتشي الأناجيل كلها، لن تجدي آية واحدة يقول فيها المسيح عن نفسه إنه الله، لم يقل أبدًا: أنا الله"! ردّت عليه بسخرية: "ما الذي تقوله، إنه من المؤكد أن هناك آيات كثيرة تقول إن المسيح هو الله"! قال لها مصطفى: "أريني الدليل"!

عادت رُبى إلى منزلها وسؤال مصطفى يقرع على مسامعها دونما توقف: "أريني الدليل"!! أصابتها حال هستيرية وأخذت تتصفح الأناجيل في جنون بحثًا عن الدليل الذي طلبه مصطفى.. أحبطت حينما لم تجد نصًّا في أي إنجيل من الأناجيل يقول فيه المسيح إنه الله!.. وبرغم توصلها في تصفح الأناجيل إلى طريق مسدود لم يعرف اليأس إلى نفسها طريقًا فبدأت رحلة من البحث في شبكة الإنترنت، ولكن خاب ظنها مرة أخرى، فلجأت إلى كتب النصارى كملاذ أخير تتصفحها بحثًا عن الدليل، ولكن هذه الكتب لم تكن أحسن حالًا من الأناجيل والإنترنت، فانتابها نوع من الإحباط!

برغم ذلك كله لم تيأس، لأنها كانت متيقنة من أنه لا بدّ من وجود دليل وإلا فإن العقيدة المسيحية تنهار من أساسها.. وكما الغريق الذي يحاول أن يتشبث بقشة، لجأت رُبى إلى أمها، باعتبارها عالمة مسيحية متبحرة.. لكن جاء رد الأم كصفعة مؤلمة على قلب ابنتها: "لا يوجد هناك آية حقيقية تصرح بأن المسيح قال عن نفسه إنه هو الله، ولكنه قال: من رآني فقد رأى الآب"! ردت الفتاة على أمها بإحباط ومرارة: "ولكن الآب والابن ليسا متشابهين؟"! فأجابت الأم: "ولكنك تعلمين أن لهما نفس المستوى في القوى، وهما واحد في الثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس)"!

هنا تيقنت الفتاة المسيحية المتعصبة أن القضية الأولى فاشلة، وبالفعل لا يوجد الدليل الذي سأل عنه مصطفى، ولذلك كان عليها أن تتشبث بالقضية الثانية وهي الاعتقاد أن المسيح هو الابن (ابن الله)!

أدارت دفة البحث ولكن في اتجاه مختلف هذه المرّة، ففتحت الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا حيث تنص الفقرة الأولى منه على الآتي: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". (إنجيل يوحنا 1: 1).

الكلمة هي المسيح الذي خلق من بدء الخليقة وهو كان عند الله!! ولكن النص نفسه يقول: "وكان الكلمة الله"! تعجبت رُبى من هذا النص الذي يناقض نفسه والذي بدا لها شديد الغرابة وكأنها تقرؤه للمرّة الأولى! تساءلت في حيرة: كيف يكون الله هو المسيح ومع المسيح في الوقت نفسه! إن هذا أمر لا يقبله عقل ولا يتسق مع المنطق!! هل يعاني المسيح انفصامًا في الشخصية حتى يكون الأمر كذلك؟! 

أشاحت رُبى بوجهها عن إنجيل يوحنا وأغلقته بعد ما صدمتها الفقرة الأولى منه، وانتقلت إلى رسالة يوحنا الأولى، وفي الإصحاح الخامس منها توقفت عند هذا النص: "فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد". (رسالة يوحنا الأولى 5: 7). تهلل وجهها من الفرح عند اطلاعها على هذا النص وشعرت بنشوة النصر، لأنها اعتقدت أنها وجدت الحل؛ الآب = الابن = الروح القدس (هم الثلاثة واحد)! لم تدم فرحتها طويلًا لأن الفقرة التالية لهذه الفقرة مباشرة سوف تقلب عليها الطاولة رأسًا على عقب: "والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح، والماء، والدم. والثلاثة هم في الواحد". (رسالة يوحنا الأولى 5: 8). الروح = الروح القدس، الماء = الآب، والدم = الابن؛ فكيف يمكن أن يكون الثلاثة (هم) واحد والثلاثة (في) واحد في الوقت نفسه، هناك فرق بين المعنيين!

هنا بدأت الفتاة المسيحية تفكّر بصوت مرتفع: إذا اعتقدنا أن الله ثلاثة، فلِمَ لدينا خليقة واحدة وليست ثلاثة؟ فعلى سبيل المثال لو أحضرنا ثلاثة رسامين ليرسموا لنا شجرة معينة، كل واحد منهم سوف يرسمها بأسلوبه الخاص تبعًا لطريقة تفكيره، وحتى إذا كانوا الثلاثة في الواحد يخلقون الخليقة، فإن كل واحد منهم سوف يخلقها بطريقة مختلفة عن الآخر، حتى لو كانت بنفس الهدف! أنا أعلم أن المسيح قال عن نفسه إنه ابن الله ولكني أعلم أيضًا أن جميع اليهود يطلقون على أنفسهم أولاد الله وهم أناس بشر مثلنا، فهذا التعبير (ابن الله) كان دارجًا في ذلك الوقت وليس خاصًّا بالمسيح وحده. إذًا فإن المسيح ليس هو "ابن الله" بالمعنى الحرفي لهذه العبارة! وهكذا بدأت رُبى ترى بنفسها التناقض الصريح في الكتاب المقدس الذي طالما قدّسته؟ بل انتقلت شكوكها إلى أركان العقيدة النصرانية وبدأت تفكر في صلاة المسيح! فلمن كان يصلي؟ نصوص كثيرة في الأناجيل تقول إن المسيح كان يصلي ويدعو الله! هل كان يصلي لنفسه؟

اللوحة الجميلة التي رسمتها رُبى في ذهنها عن الديانة المسيحية وظلت تدافع عنها منذ نعومة أظفارها وتضحّي من أجلها بالغالي والنفيس، بدأت تتمزق أمام ناظريها وبين يديها الآن، وفي تلك اللحظة لمعت في ذهنها ذكريات قديمة حينما كانت تدرس اللاهوت وكان يدرّسهم تاريخ الكتاب المقدس عالم بريطاني كبير حيث قال لهم حرفيًّا: "لقد ذهبت إلى بريطانيا لأرى نصوص الإنجيل الأصلية المكتشفة، ولم أجد غير أوراق محروقة، وممزقة وضائعة"! تذكرت الفتاة المسيحية هذه الكلمات التي ظلت محفورة في ذهنها، ثم نظرت إلى الكتاب المقدس الذي بين يديها، وتساءلت: ما هذا الكتاب؟؟ من أين جاءت كلمات هذا الكتاب؟ إذا كنت أعبد إلهًا كاملًا ليس فيه عيب واحد، فكيف يمكنني الإيمان بكتاب غير كامل أو غير محفوظ؟ ثم كيف يعجز الإله عن حفظ كتابه إن كان إلهًا حقيقيًّا؟!

عندما وصلت بطلة قصتنا رُبى إلى هذا الحد عقدت مقارنة عجيبة تقول فيها: لو أننا أحرقنا كل الكتب المقدسة التي في أيدي النصارى اليوم ولم نترك منها واحدًا، ثم سألنا النصارى في جميع أنحاء الأرض أن يحضروا لنا كتابًا مطابقًا للكتب الأولى التي أحرقت، فلن نجد نصرانيًّا واحدًا يمكنه أن يحضر لنا كتابًا مطابقًا.. في المقابل لو فعلنا ذلك بالقرآن الكريم فسوف نجد مليون مسلم على الأقل يحفظون القرآن عن ظهر قلب! لماذا؟ لأن المسيحيين لديهم العديد من النسخ التي لا يتطابق بعضها مع بعض، بل ما زالوا يكتشفون نصوصًا إنجيلية جديدة من حين لآخر، أما القرآن الكريم فهو كتاب واحد لم يتغير منه حرف واحد منذ أن نزل وإلى الآن بل وإلى أن تقوم الساعة!

عندما وصلت رُبى إلى هذا الحد فقدت الثقة بكتابها المقدس.. ليس هذا فحسب بل بدأت تشك في لاهوت صلب المسيح، وهل مات المسيح حقًّا؟ سؤال خطير طرحته على نفسها في هذه المرحلة الحرجة من حياتها، والإجابة عنه سوف تحدد مستقبلها كله بخيره وشره! ولكن أين تجد الإجابة عن هذا السؤال وقد فقدت الأمل في الكتاب المقدس!

لجأت إلى القرآن الكريم وأفضى بها البحث إلى هاتين الآيتين من سورة النساء:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) النساء

بشكل واضح لا لبس فيه وضعها القرآن وجهًا لوجه أمام حقيقة المسيح، ليس هو الله، ولا حتى ابن الله، بل هو رسول الله، ولم يقتلوه ولم يصلبوه، بل رفعه الله إليه! كلام واضح وصريح ومقنع! انتابها الأسى والألم وهي تقرأ هاتين الآيتين، وتتأسف على 24 سنة من عمرها ضاعت سدى! طوال هذه الفترة وهي تدرس نظريات وأكاذيب وأباطيل! طوال هذه الفترة وهي تدافع عن كذبة كبرى اسمها المسيحية! طوال هذه الفترة وهي تعبد الإله الخطأ! إحباط ما بعده إحباط! 

لكي تخرج من المأزق المعقد الذي وجدت نفسها بين مخالبه فكرت في الانتحار! تصف الفتاة رُبى هذه اللحظات فتقول: "أردت الانتحار.. شعرت أن الأرض تهتز من تحت قدمي.. انتابني الرعب.. أردت أن أرجع إلى بداية المطاف وأبحث من جديد لأثبت العكس، ولكني لا أعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.. شعرت أنني أدمر حياتي".

في هذه المرحلة المفصلية الحاسمة من حياتها، تحول تفكيرها في الاتجاه الصحيح، فتقبلت فكرة أن المسيح إنسان ورسول من عند الله سبحانه وتعالى، وأصبحت تؤمن بجميع الأنبياء الذين قبله، وتبقى لديها مشكلة تمنعها من الإيمان بمحمد –صلى الله عليه وسلّم-! فما هي هذه المشكلة؟ مشكلتها أنها لا تعلم من سيرته إلا تلك الصورة السلبية التي غرستها في ذهنها التعاليم النصرانية المضللة منذ أن كانت طفلة. ولكنها تداركت نفسها بنفسها وتساءلت: كيف يمكن أن تكون هذه مشكلة والقرآن الكريم أتى من الله من خلال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم تذكرت أن هناك إنجيلًا خامسًا لا تعترف به الكنيسة اسمه (برنابا) وفي هذا الإنجيل يبشر المسيح صراحة بخاتم المرسلين، كما أن هذا الإنجيل يتفق مع القرآن الكريم في أمور كثيرة منها أن المسيح –عليه السلام- لم يُصلب بل رفعه الله إليه!

احتشدت كل هذه القناعات في عقل الفتاة المسيحية دفعة واحدة، فتركت غرفتها واتصلت بالشباب المسلمين الذين لم ترهم منذ أكثر من شهرين، قضتهما في البحث عن الحقيقة عن "الدليل". والآن سوف تذهب لرؤيتهم ولكن بأي وجه؟ خرجت رُبى من بيتها باكية وفي الطريق كانت ترجو الله وتدعوه بهذه الكلمات: "إذا كان هذا هو الطريق الصحيح فغير حياتي، وإذا لم يكن فاجعلني أموت في حادث سيارة قبل أن أصل أصدقائي، فكل ما أريده هو الحقيقة ومرضاتك يا رب، وكل ما أبتغيه هو الجنة".

وصلت رُبى إلى الشباب وقد هيؤوا أنفسهم لجولة جديدة من الجدال العقيم، وعندما رأوها والدموع تسيل بغزارة من عينيها اعتقدوا أن مكروهًا أصابها.. وقفوا ينظرون إليها في حيرة وينتظرون منها ولو كلمة واحدة تخبرهم بحقيقة أمرها، ففاجأتهم بكلمات لم يتوقعوها ولو في عالم الخيال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"!

صمت مهيب عمّ الجميع، والجميع فاغر فاه ينظر إليها في ذهول ويرمقها باندهاش! كسر مصطفى حاجز الصمت وقال لها: "اسكتي.. لا تكذبي"! فردّت عليه وهي تبكي: "أنا لا أكذب"! ولكن لم يصدقها أحد والكل ينظر إليها متعجبًّا! قالت له: "أنا لا أكذب، غدًا سيكون أول يوم في شهر رمضان، والآن سوف تعلمني كيف أتوضأ وكيف أصلي وكل شيء"! عندما سمعها مصطفى تقول ذلك ورأى الإصرار في عينيها، انفجر باكيًا من الفرحة، وقال لها: "مرحبًا بك في الإسلام".

وبالفعل تعلمت الصلاة وكل تعاليم الإسلام الأساسية في ليلة واحدة فقط، واشترت حجابًا وبدأت تمارس عقيدتها الجديدة، وظلت تخفي أمر إسلامها عن عائلتها لمدة أسبوعين، وكانت تصلي الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل حتى لا يراها أحد وينكشف أمرها. وفي يوم من الأيام وبينما كانت ذاهبة من البيت إلى الكلية وكانت معها حقيبتها التي تحتوي على القرآن والحجاب، وقع الحجاب على الأرض ورأته أختها، ولكنها لم تعر الأمر أهمية، حتى جاء الليل واستيقظت أختها فجأة فرأتها تصلي، والتفتت إلى سريرها وإذا بالمصحف الشريف موضوع عليه، ومنذ تلك اللحظة علم بقية أعضاء العائلة بخبر إسلامها، وبدأ مشوارها مع الابتلاءات.

في البدء نعتوها بأقبح العبارات، وانهالوا عليها ضربًا مبرحًا حتى رأت شبح الموت أمامها عيانًا بيانًا، ثم هددوها بالقتل إن لم تترك الإسلام وتعد إلى دين الآباء والأجداد..

لم تستطع الوقوف على قدميها من شدة الضرب فزحفت على الأرض حتى دخلت الحمام وأغلقته عليها من الداخل.. أسندت ظهرها إلى الباب واستغرقت في البكاء فاختلطت دموعها مع الدماء السائلة من وجهها.. ثم قامت لتغسل وجهها فإذا بهاتف أختها المحمول وقد تركته في الحمام.. تناولته على الفور واتصلت بالشرطة.. وبعد لحظات يعمّ الهدوء ويسكن الضجيج خارج الحمام، وإذا برجل شرطة يقرع عليها الباب ويقول لها: يمكنك أن تخرجي الآن.

خرجت رُبى وهجرت بيت أسرتها وتوجهت إلى بيت صديقتها المسلمة حيث أقامت معها شهرين كاملين.. خلال هذه الفترة تلقت المسلمة الجديدة مئات المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية من مختلف أنحاء العالم، يهددونها بالقتل ويتوعدونها بالانتقام.. ولكن على الرغم من كل هذه الابتلاءات لم تتزعزع عزيمتها إذ ظلت صامدة فخورة بدينها حتى يسّر لها الله تعالى الزواج من الشاب مصطفى نفسه الذي كان سببًا في إسلامها!..

تحولت رُبى من مبشرة نصرانية متعصبة إلى معلمة للقرآن الكريم وداعية إلى الله ودينه الحق، وقد أسلم على يديها الكثير من النصارى.

إنها قصة بألف قصة!!..

قصة تكفي لإيمان وإسلام غير المسلمين كلهم أجمعين..

فمعظم غير المسلمين ليسوا على هذا القدر من العناد والتعصب الذي كان عند رُبى!!

هم غير مسلمين فقط بالنسب والبيئة والمناخ المحيط الذي ولدوا فيه!!..

فإذا كان هذا حال ومآل المتعصبين المعاندين.. فكيف سيكون حال عامة غير المسلمين؟!!

استعدوا للفرصة.. اغتنموا الباب المفتوح..

ثقوا بأن الهدى سيجدكم إن بحثتم عنه.. هو من سيجدكم..

اسألوا الله الهداية.. فبالله نهتدي إلى الله.

-----------------------

المصادر:

ابن علي، أبو إسلام أحمد (1429 هـ)؛ عادوا إلى الفطرة: 70 قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد الفوائد http://www.saaid.net

ربى قعوار؛ الصفحة الرئيسية على فيسبوك: www.facebook.com/Ruba.Qewar.Kawar

 


تعليقات (
0
)

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وإنما هي وجهات نظر أصحابها فقط.